كتب محمد شقير في الشرق الأوسط:
يفترض أن تبدأ الحكومة التفاوض مع صندوق النقد الدولي في الأيام المقبلة حول «مسودة» الخطة الإنقاذية التي أقرها مجلس الوزراء للوقوف على رأي الصندوق حيالها، وتقدر مصادر وزارية ونيابية أن المفاوضات لن تكون سهلة وتحتاج إلى وقت يتجاوز الأسابيع باعتبار أنه سيتخللها أخذ ورد بغية التوصُّل إلى رؤية اقتصادية ومالية موحّدة.
وترى مصادر نيابية ووزارية أنه لا مفر من تعديل الخطة الاقتصادية، كما شدّد النواب الذين شاركوا في اجتماع لجنة المال في حضور وزيري المال غازي وزني والاقتصاد راوول نعمة، إضافة إلى الهيئات المصرفية والاقتصادية التي ترى أنه لا بد من تشريع الخطة بإقرار عدد من القوانين.
وتؤكد المصادر النيابية والوزارية لـ«الشرق الأوسط» بأن ترحيب صندوق النقد ومن خلاله المجتمع الدولي بالمسودة الإنقاذية لا يعني أن الطريق ستكون معبّدة لوضع الخطة على طريق التطبيق بمقدار ما إن الترحيب ينطلق من أن الحكومة بادرت إلى حسم موقفها وأقرّت بأن الصندوق هو جواز مرور لبنان للحصول على مساعدات مالية لوقف الانهيار ومنع انزلاق البلد إلى المجهول.
وترى المصادر نفسها أن الاحتضان الفرنسي للبنان ليس موضع استغراب ويعبّر عن العلاقات التاريخية بين البلدين، وتقول إن باريس كانت وراء دعوة الحكومة إلى حسم أمرها وعدم التردُّد في الالتفات لصندوق النقد، لكن الأخير لن يبصم على بياض على الخطة الإنقاذية وستكون له ملاحظات جوهرية يُفترض أن يأخذها لبنان على محمل الجد والتعاطي معها على أنها الممر الإجباري للحصول على المساعدات. وتلفت إلى أن باريس تحرص على التمايز عن الآخرين في نظرتها إلى لبنان، لكنها تُدرك أن ألمانيا تشكّل الثقل الأوروبي في توفير الدعم المادي وهي تلتقي في موقفها مع الولايات المتحدة، وبالتالي فإن المساعدات، أكانت من صندوق النقد أو من المجموعة الدولية الداعمة للبنان، ترتبط بضرورة التوصل مع الصندوق إلى اتفاق كامل غير قابل للنقض أو الاجتهاد.
وتؤكد المصادر أن الدول التي يهمها الحفاظ على الاستقرار تنتظر ما سيتوصّل إليه صندوق النقد من تفاهم مع الحكومة، وبالتالي ليست في وارد القفز فوق الصندوق مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أن المجتمع الدولي ما قبل فيروس «كورونا» غير ما هو عليه الآن.
إلا أن المصادر تسأل عن الموقف الأوروبي حيال لبنان ومدى استعداده لمساعدته مالياً، خصوصاً في ضوء تدهور العلاقة بين ألمانيا و«حزب الله» بعد فرضها الحظر على نشاطاته في ألمانيا.
ومع أن الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، رأى في القرار الألماني استجابةً لضغوط أميركية وإسرائيلية مورست على الحكومة الألمانية، فإن مصادر أوروبية تسأل عن الدوافع التي أملت على الأخيرة هذا التصرف، فيما كانت في السابق تميّز بين جناحيه العسكري والمدني.
وعدّت المصادر نفسها أن المجتمع الدولي من خلال صندوق النقد سيكون شريكاً في الإشراف على المساعدات المالية في حال استجاب لطلب الحكومة وصولاً إلى توظيفها لوقف التدهور ومنع الانهيار الاقتصادي، وعزت السبب إلى رغبته في وضع ضوابط لئلا تُصرف بشكل عشوائي وانتقائي.
وقالت إن المجتمع الدولي يتخوّف من إمكانية إفادة النظام في سوريا من هذه المساعدات أو أن يكون لـ«حزب الله» اليد الطولى في توظيفها بالاتجاه الذي يخدم فرض سيطرته على البلد، وكشفت أن فاتورة الاستيراد اللبناني من الخارج بلغت في العام الماضي نحو 20 مليار دولار وتبيّن أن حجم الاستهلاك جاء أقل بـ4 مليارات دولار من حجم هذه الفاتورة. ورأت أن هذا الفارق بين كلفة للاستيراد وحجم الاستهلاك سمح للنظام السوري بالإفادة منه، خصوصاً أنه كان يؤمّن بعض المشتقات النفطية من السوق اللبنانية، إضافةً إلى أنواع من المواد الأولية، وقالت إن هناك من يتولى رعاية تهريب هذه المشتقات من لبنان إلى سوريا.
وقالت إن لبنان يستورد هذه المشتقات بالدولار فيما يتم تسديد ثمن المهرَّب منها بالعملة اللبنانية، وهذا ما يؤدي إلى استنزاف الاحتياطي بالعملات الصعبة من جهة وإلى الالتفاف على العقوبات الأميركية، إضافة إلى وجود مافيا تعمل على سحب الدولار من السوق اللبنانية إلى داخل سوريا. لذلك، سيتولى المجتمع الدولي من خلال صندوق النقد التشديد في تحديده للمسار العام للمساعدات في حال تقرر دولياً «الإفراج» عنها لأن الصندوق يتلقى في مثل هذه الحالات «غمزة» من واشنطن.