جهد رئيس الحكومة حسان دياب لتأكيد ما اعتبره حقه في تمثيل الطائفة السنية، في الموقع الأرفع المخصص لها في الهرمية اللبنانية الرسمية، المعمول بها حتى إشعار آخر. ذلك أن الموضوعية تقتضي الاعتراف للرجل بأنه صعب المراس وقد تمكن من القفز فوق الاعتراض العارم، على دخوله نادي رؤساء الحكومات، في أوساط الطائفة السنية تحديدا، ليدخل السراي الحكومي من باب التفاهم مع رئيس الجمهورية ميشال عون.
وفي ما يعد محاولة لتأكيد حرصه على نسج علاقات جيدة مع دار الفتوى، المرجعية الدينية الأعلى للسنة في البلاد، أكد دياب أنه سيزور الدار ويلتقي المفتي عبد اللطيف دريان بعد تأليف الحكومة، وهو على يقين بأنه لا يحظى بالغطاء المطلوب من الدار، على الأقل في انتظار قيام الدولة المدنية المتحررة من القيود الدينية، لوجوده في موقع رئاسة الحكومة. مع العلم أنه عاد وتريث في اتمام هذه الزيارة إلى ما بعد نيل الثقة على رغم الاعتراض الشعبي.
لكن في المقابل، لا تخفي اوساط سياسية مراقبة عبر “المركزية” استغرابها لكون اللقاء الذي جمع دياب بالمفتي دريان في شباط الماضي بدا اجتماعا يتيما، لم يبادر رئيس الحكومة إلى استكماله بلقاءات مماثلة من شأنها أن تخفف منسوب الاعتراض السني الذي يواجهه.
وتلفت الأوساط عينها، إلى أن الرئيس دياب اختار الركون إلى مقاربة مختلفة تضعه في موقع المواجهة المفتوحة مع صقور الطائفة السنية، بدليل أن مداخلاته في مجلس الوزراء نادرا ما تخلو من القنص المركّز في اتجاه سلفه الرئيس سعد الحريري، محملا “الحريرية السياسية”، وإن بشكل غير مباشر، مسؤولية تردي الأوضاع العامة على مدى العقود الماضية.
وانطلاقا من رفع السقوف هذا، تفسر الأوساط الهجمات المضادة التي يتلقاها السراي من الرئيس الحريري ورؤساء الحكومات السابقين، الذين كثفوا وتيرة اجتماعاتهم الدورية، ورفعوا سقف الهجوم في اتجاه العهد والممسكين بزمام الحكم. ولا يخفى أن في ذلك القنص المركز تعبيرا عن نبض سني معين مناوئ لرئيس الحكومة، ويحاول الرئيس الحريري “استعادته” إذا صح التعبير بعد سلسلة الخسائر السياسية والشعبية التي مني بها في الفترة الأخيرة.
لكن الأوساط تنبه إلى أن هذا الفتور في العلاقة على خط السراي- دار الفتوى لا يقتصر على الأخيرة، بغض النظر عن حجمه ودلالاته. ذلك أن رئيس الحكومة أحجم أيضا عن القيام بالزيارات التقليدية إلى سائر المراجع الدينية، لا سيما منها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، ورئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز نعيم حسن ومتروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، على سبيل المثال، لا الحصر. وفي وقت يواجه دياب حملة شرسة من عودة على خلفية ملف تعيين بديل من محافظ بيروت القاضي زياد شبيب، تذكّر المصادر أن دياب نال جرعات دعم مهمة من البطريرك الراعي، الذي لطالما عبر عن تأييده للحكومة الحالية، بوصفها خشبة الخلاص الوحيدة للبنان من كبواته الكثيرة، وهو موقف كرره الراعي منذ أسبوعين من على منبر قصر بعبدا تحديدا، مع العلم أنه لطالما أكد دعمه مطالب الثوار المناهضين للطبقة الحاكمة.
على أي حال، فإن بعض المراقبين يرون في تصرف دياب هذا محاولة لتعبيد الطريق إلى الدولة المدنية حيث يتكرس مبدأ فصل الدين عن الدولة، فيما يعتبره بعض آخر ضربة قاسية للمرجعيات الدينية.. وفي الإنتظار، تحفل الكواليس السياسية بسؤال: أي موقف ستتخذه المرجعيات الروحية من حكومة دياب في أول قمة تعقدها في ظل هذا الوضع المطبوع بالتعقيدات؟ الجواب متروك للأيام وربما الشهور المقبلة…