Site icon IMLebanon

حلّ النفايات.. بسقوط «كارتيلاتها»

كتب رولان خاطر في “الجمهورية”:

عادت النفايات تملأ الساحات والشوارع. تتجمّع عند نوافذ المنازل، وعلى مداخل المستشفيات والمؤسسات، وتجدّد الحديث عن حصر المشكلة بغياب أماكن المعالجة، والفرز الطائفي والمناطقي، فيما الحلول المنطقية والعلمية، يسيل حبرها في صفحات فساد لا حدّ له.

مشهد النفايات المنتشرة تلالاً في الشوارع يُنذر بكارثة جديدة تقترب، وسط غياب أي أفق للحل ممن انتُدبوا لإيجاد الحلول، ووسط تقدّم الحلول الآنية على الخطة الاستراتيجية الأشمل.

وقد بدأت كرة الثلج تتدحرج، مع وصول «مطمر الجديدة» إلى سعته القصوى، وتوقف شركة «رامكو» عن الجمع والكنس جزئياً، لعدم تقاضيها أموالها، فقرّرت الحكومة الثلثاء الفائت، تجنباً للأسوأ، الخروج بحلّ مؤقت، عبر رفع مستوى «مطمر الجديدة» متراً ونصف المتر، ليستوعب النفايات على مدى الأشهر الـ3 المقبلة، ريثما تكون وزارة البيئة قد أنجزت خطتها للحلّ الشامل. وقد كُلّف مجلس الإنماء والإعمار مناقشة هذا الحل مع البلديات المعنية.

والأزمة لم تقتصر عند حدود المتن، ففي كسروان أيضاً، بدأت تتكدّس النفايات في الشوارع. وفي إطار إيجاد حل سريع، كلّفت الحكومة مجلس «الإنماء والإعمار» التفاوض مع النائب نعمة افرام لإعادة تشغيل معمله في غوسطا، الذي يستوعب بين 150 و200 طن من نفايات كسروان، بحسب ما أشار الكاتب البيئي حبيب معلوف لـ»الجمهورية»، من دون معرفة أسس هذا التفاوض، وطريقة الدفع، خصوصاً أنّ المشكلة سابقاً مع معمل غوسطا كانت حول عدم دفع الأموال اللازمة له.

وفي هذا الإطار، يبدي رئيس اتحاد بلديات كسروان الفتوح ورئيس بلدية جونية جوان حبيش امتعاضه من رمي الكرة تكراراً في ملعب البلديات، خصوصاً في ظلّ تقنين الأموال عنها منذ فترة.

ويشير حبيش عبر «الجمهورية»، إلى أنّ «معمل غوسطا لا يتسع لحجم النفايات التي تخرج من كسروان، فهو كما قيل، يستوعب بين 150 و 200 طناًن فيما النفايات في المنطقة تصل إلى 350 طناً، لذا، فإنّ هذا المعمل يُعتبر حلاً جزئياً، فيما المطلوب حل مستدام للأزمة، لا يعيد المشكلة كل فترة».

ويذكّر حبيش، بأنّ «اتحاد بلديات كسروان وضع خطة منذ عام2017 لمعالجة نحو 500 طن من النفايات، واستقدم تمويلاً لها من الاتحاد الأوروبي والمنظمات التي تدعم مشاريع معالجة النفايات، وتمّ عرضها في 2017 على اللجنة المصغّرة التي أُنشئت لإدارة ازمة النفايات، والتي كان يرأسها آنذاك وزير الداخلية نهاد المشنوق، إلاّ أنّه لأسباب مختلفة لم نصل إلى بت الحل النهائي لكسروان». ويضيف: «لا مشكل لدينا في تعميم اللامركزية وتحميل البلديات مسؤولية معالجة النفايات في نطاقها الجغرافي، إلّا انّ المطلوب امران، النص القانوني والتمويل. النص القانوني موجود، اذا حصلنا على الموافقة ومن بلدية جونية حول الخطة، والمكان الذي ستُقام فيه، لكن ينقصنا التمويل، لذا من الضروري البدء بتحويل الأموال المخصّصة للبلديات».

علماً، أنّ الخطة التي تمّ تقديمها، تهدف لإقامة منشأة تعالج نحو 500 طن من النفايات تفرزها بكاملها. فرز اولي يبدأ من المنازل، الى فرز كامل اوتوماتيكي لمعظم المواد».

الشوف وعاليه

الأزمة لا تتوقف فقط على المتن وكسروان وبيروت، إنما ستطاول في الأشهر المقبلة قضاءي الشوف وعاليه، حيث طلب مجلس الوزراء من اتحادات بلديات المنطقتين تحديد موقع مطمر لهما ولجزء من قضاء بعبدا الى جانب مطمرَي الجديدة و»كوستا برافا» ضمن مهلة شهرين.

وفي هذا الإطار، يكشف حبيب معلوف، أنّ هناك توجهاً لإعادة فتح مطمر الناعمة، بعدما تولّد اقتناع لدى الأطراف السياسية في المنطقة أن لا حلّ بديلا يمكن أن يتبلور سريعاً، في ظل المحسوبيات السياسية التي تتحكّم بالملف.

«كارتيل» النفايات

يختلط السياسي والمناطقي والاستثماري في ملف النفايات. فعادة ما يتحوّل النزاع بحسب ما تفرضه المصلحة الذاتية.

ويجمع الخبراء البيئيون على أنّ أزمة النفايات سياسية بامتياز، بمعنى أنّ الذهنية الاستثمارية، تتقدّم على المنحى البيئي في معالجة الملف. وهناك اطراف تدفع في اتجاه الإبقاء على الحلول الطارئة وعدم الخوض في «الاستراتيجية الشاملة» بتغطية سياسية، حفاظاً على مبدأ الربح الذي تحققه النفايات، وبالتالي، فإنّ الملف هو كناية عن استثمارات بين أهل السلطة، إن عبر متعاقدين أو مقاولين، او عبر سلطات محلية كالبلديات واتحاداتها التي تسيطر عليها أطراف سياسية محدّدة ومعروفة.

لذا، فإنّ للنفايات أيضاً، على غرار القطاعات الأخرى في لبنان، «كارتيلاتها» التي تتحكّم بمفاصل تطورّ مسار الملف. وهذه «الكارتيلات» تتشكّل كما قلنا من مؤسسات تجارية أو متعهدين أو مقاولين، محميين طائفياً وسياسياً، ممن يسيطرون على مفاصل الحكم اليوم في لبنان، أو ممن خرجوا من السلطة. فيما يعلم الجميع، من هي الجهة التي ردمت البحر عند مطمر الجديدة، وتلك التي تقوم بأعمال ميدانية في مطمر الكوستابرافا وغيرهما.

من هذا المنطلق، وفيما كان يُفترض اعداد استراتيجية وطنية شاملة لأزمة النفايات، التي استُعيض عنها بحلول طوارئ أو خريطة طريق تضمّنت مطامر غبّ الطلب، وتمديد خطط الطوارئ لعام 2016، وإعطاء حوافز مادية للبلديات تقع ضمن نطاقها الجغرافي المطامر او المصانع، تتجّه الأنظار إلى ما يمكن ان تخرج به حكومة حسان دياب «الفتيّة». فهل يجوز ان تتحمّل تقصير الحكومات السابقة؟

ربما من المغالاة إلقاء مسؤولية الأزمة على حكومة لم تتعدّ ولادتها المئة يوم بعد، لكن، ما كان يُنتظر منها، من ضمن ما يُفترض ان يكون خطة إصلاحية، أن تباشر بخطوات تدلّ الى وجود نيّة حقيقية لمعالجة هذا الملف، والتصدّي للتوظيف السياسي، بدءاً من تقييم حلول الطوارئ الموضوعة، واتخاذ خطوات لتخفيف الهدر في الملف، وإجراء المراقبة والمحاسبة.

يقول وزير البيئة دميانوس قطار لـ»الجمهورية»: «إن ملف النفايات شائك. ونحن لم نعتمد الحلّ الأسهل، بل عملنا بصمت، وبحثنا في عمق الأزمة والحلول المطلوبة لها، ولم نذهب إلى الحلول الموقتة إلّا لتجنيب الناس الأسوأ، خصوصاً أننا لم ندخل إلى الحكومة إلّا في الأمس القريب».

وفيما كان هناك تأكيد في مجلس الوزراء على تطبيق اللامركزية وعلى هرمية الاجراءات المتبعة للجمع والفرز واعادة التدوير، إضافة إلى توسعة مطمر الجدَيدة، وإيجاد حل لنفايات كسروان، بالتزامن مع محاولات ايجاد حلول لنفايات قضاءي الشوف وعاليه، يشدّد قطار على «انّ الأفكار واضحة والتحاليل والدراسات لا جدل فيها، ومشروعنا يقوم أساساً على تعزيز اللامركزية، وتقوية السلطات المحلية، أي البلديات واتحاداتها، على المستوى المالي والحوكمة،. إذ إنّ معظم التقارير تؤكّد انّ هناك ازمة في ادارة الملف لناحية الحوكمة. ومن الآن حتى شهر تقريباً تتبلور الآليات».

ويضيف قطار: «لبنان بطبيعته صعب، سنسعى بكل ما اوتينا من قوة، واستناداً الى قناعاتنا الى تعزيز نوع من الاستقامة وإضفاء صدقية في الملف. فالموضوع معقّد ويتطلّب خطوات هادئة. فلو لم نستطع إسقاط الوصاية السياسية عن الملف، إلّا انّ هذا لا يعني ألّا نعمل لمعالجة الأزمة بصدق وبحسب الأصول».