يستعدّ لبنان لأسبوعٍ مفصلي يُفترض أن يتبلور معه «طرفُ الخيط» في ما خص المفاوضات الشاقة التي ستنطلق رسمياً مع صندوق النقد الدولي تحت ظلال خطة الإصلاح المالي التي وضعتْها الحكومة، ومسارُ «الهبّة الجديدة» في عدّاد الإصابات بـ «كورونا»، في الوقت الذي كان مُنتظَراً أن يشهد حَدَثاً تاريخياً بصدور الحكم في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري قبل أن تعلن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان (مقرها في لايتشندام – هولندا) إرجاءه «نظراً إلى الظروف السائدة بسبب فيروس كوفيد – 19».
وبدا التأجيلُ «الاضطراري» لصدور الحكم في جريمة 14 شباط 2005 التي يُحاكَم فيها غيابياً 4 مُتَّهمين من «حزب الله» وكأنه يرجىء مناخاً استقطابياً بالغ الحدة في الواقع اللبناني الذي كان على موعدٍ مع استعادة الوقائع الانقسامية السياسية والأهلية التي حكمتْ المشهد الداخلي منذ العام 2005 واستمرّت على شكل «حرب باردة» ما زالت كامنةً رغم ركون غالبية خصوم «حزب الله» إلى مربّع «الواقعية» أمام التدجين المتدحْرج للتوازنات في البلاد.
وكانت المحكمة الدولية أعلنت أنه نظراً «إلى الظروف السائدة بسبب فيروس كوفيد-19، ستحدّد غرفة الدرجة الأولى لدى المحكمة الخاصة بلبنان تاريخ النطق العلني بالحكم في قضية عياش وآخَرين (STL-11-01) في أقرب وقت»، مذكّرة بأنها كانت «قدّمت إشعاراً في 5 اذار، بأنها ستصدر حكمها في قضية عياش وآخرين في جلسة علنية تُعقد في منتصف أيار 2020».
وفيما اكتفت النّاطقة الرسميّة باسم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وجد رمضان بالقول لـ «الراي» تعليقاً على هذا التطور أن «غرفة الدرجة الأولى لن تستطيع في الظروف الحالية (كورونا) إصدار الحُكْم في قضية عياش وآخَرين في منتصف أيار»، اعتبرتْ أوساطٌ سياسية أن لبنان دَخَل عملياً مدار الحُكْم المرتقب في جريمة الحريري ولو تأخَّر صدوره لبعض الوقت.
ورأت هذه الأوساط أن ابتعاد الحُكْم في اغتيال الرئيس الحريري خطوةً سيُبقي الأنظار مصلتةً على الانكشافات المُخيفة للواقع اللبناني على «ثقوبٍ سود» يعكس تَشابُكَها وتَزامُنها الصعوبات التي تعترض وضْعه على سكة الخروج من نفق مظلم طويل أوّله أزمةٌ مالية – اقتصادية – مصرفية – نقدية – معيشية تحاول السلطةُ معالجتَها بخطةِ الإصلاحٍ التي تُحاصِرها كمائنُ الداخل و«دفترُ شروط» الخارج، وليس آخِره خطَرُ «كورونا» الذي «لم يقُل كلمتَه الأخيرة» بعد، وسط الطلائعَ المبكّرة لموجةٍ ثانية من الإصابات يُخشى أن تمحو كل مسار السيطرة على الفيروس منذ تسجيل أول حالة في 21 شباط الماضي.
وبعد أيامٍ لم يعلُ خلالها صوتٌ فوق صخب العنوان المالي وخطة الإنقاذ التي ستكون الأسبوع الطالع محور مفاوضاتٍ ستبدأ مع الـ IMF للحصول على برنامج تمويل بنحو 10 مليارات دولار على خمس سنوات على وقع ما يشبه «التهشيم» الذي تتعرّض له الخطة من أهل البيت الحكومي كما قوى المعارضة، عاد «كورونا» بقوة إلى سلّم الأولويات الداخلية مع إشاراتٍ مُقْلِقة تطلّ برأسها من أرقام الإصابات المتزايدة والتي انتقلت في أيام قليلة جداً وتباعاً من صفر حالات للمقيمين إلى 11 إصابة أمس أضيفت إلى حالتيْن ايجابيتيْن لوافدين من الكويت والسنغال كانا في عداد العائدين في عملية الإجلاء المستمرة للمنتشرين، ليرتفع العدد الإجمالي للإصابات إلى 809 بينهم 234 حالة شفاء و26 وفاة.
وفي ضوء هذه الاندفاعة لـ «كورونا»، ازدادتْ المخاوف من أن يكون لبنان في مرمى موجة عاتية من الإصابات التي قد تتسبب بهزّ نظامه الصحي، ولا سيما أن «تَجدُّد» الفيروس داخلياً يأتي في ظل تخفيف إجراءات التعبئة العامة وصولاً إلى إعلان وزارة التربية استئناف العام الدراسي اعتباراً من 28 أيار (لمراحل ما بعد التاسع الأساسي) مع إلغاء امتحانات الشهادة المتوسطة (شهادة الصف التاسع) ومنْح الطلبة إفادة مصدّقة بتجاوز المرحلة، والأهمّ مع الاستعداد للمرحلة الثالثة من إجلاء المتنشرين التي تبدأ الخميس على أن تشمل نحو 13 ألف لبنانياً، وسط نقزة كبيرة شكّلها ارتفاع نسبة الإصابات بين صفوف العائدين من وجهات افريقية في الأيام الماضية.
ولم يخطف «كورونا» الاهتمام بالانهيار المالي الذي باتت خطة إنقاذ لبنان من شِباكه تُسابِقُ ما سيكون عليه موقف صندوق النقد من بنودها والمظلة الداخلية التي تزداد شروخها على وقع تصدُّعاتٍ تنطلق من قلب الحكومة التي تُبْرِز أطراف وازنة فيها ملاحظات جوهرية على برنامج التعافي (أبرزها التيار الوطني الحر) ولا تنتهي بمجلس النواب الذي يمضي في تشريح الخطة ونقض جوانب أساسية فيها، وما بينهما من واقعٍ اقتصادي يتداعى تحت وطأة الضربات المتتالية للعملة الوطنية التي تتهاوى أمام الدولار وناهز سعر صرفها نحو 4400 ليرة للدولار الواحد (السعر الرسمي نحو 1507 ليرات) من دون أن ينجح «الخيار الأمني» في ضبْط حركة السوق الموازية، وكانت آخِر فصوله توقيف نقيب الصيارفة محمود مراد بتهمة التلاعب بسعر الصرف.
ومن خلف ظهْر التفاصيل التقنية في خطة الإنقاذ، استوقف الأوساط المطلعة قفْز ملف المعابر الشرعية وغير الشرعية بين لبنان وسورية إلى الواجهة مجدداً مع التقارير عن تهريب المازوت والطحين إلى سورية، وهو الملف الذي يكتسب أهمية بالغة من زاويتيْن: الأولى خارجية في ظل ملامح متزايدة إلى تعاطي المجتمع الدولي مع هذه الثغرة التي تُعتبر معالجتها شَرْطية لتقديم المساعدة للبنان على أنها من الجوانب السيادية والسياسية المُرافقة لمسار الإنقاذ، وهو ما تعبّر عنه ضمناً ومباشرةً مواقف أميركية تعكس نظرة واشنطن إلى موضوع المعابر على أنه من ضمن استراتيجية خنْق «حزب الله» بالعقوبات كما بسدّ المنافذ التي يستخدمها لنقل الأسلحة والأموال وتغذية اقتصاده الموازي.
والزاوية الثانية داخلية، كون هذا التهريب من شأنه مفاقمة النزف المالي واستنفاذ ما تبقى من احتياطي بالعملات الأجنبية يقنّن مصرف لبنان استخدامها بما يسمح بدعم استيراد المواد الاستراتيجية اي المحروقات والطحين والدواء بالسعر الرسمي لإطالة فترة الصمود الاجتماعي ريثما ينطلق مسار الإنقاذ، علماً أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة كان تحدث اخيراً عن 4 مليارات دولار يخسرها لبنان في استيراد مواد لا يستخدمها، في غمز من قناة التهريب عبر الحدود الى الداخل السوري، في حين كشف عضو نقابة أصحاب المحطات في لبنان جورج «انّ ملايين الليترات من المازوت تدخل يومياً الى سورية بقيمة تفوق الـ 400 مليون دولار سنوياً، وذلك عن طريق الهرمل والحدود البقاعية، من بعض التجار وليس الشركات المستوردة للنفط ولا صهاريجها».