Site icon IMLebanon

موجة جديدة من كورونا بسبب… الزبائنية! (بقلم رولا حداد)

عاد الذعر من جديد ليدبّ في نفوس اللبنانيين في ظل تعاظم الخشية من موجة ثانية من الإصابات بفيروس كورونا، بعد ارتفاع الأرقام من جديد والناجم عن انتقال العدوى من عدد من اللبنانيين العائدين من الخارج في رحلات الإجلاء التي رعتها الحكومة عبر وزارة الخارجية والمغتربين.

ثمة إشكالية أخلاقية تتعلق بالنقاش حول حق المغتربين بالعودة الى لبنان في ظل هذه الظروف، بين من يعتبر أن حق أي لبناني بالعودة إلى بلده مقدّس ومكرّس بموجب الدستور وبالتالي لا يجوز منع أي لبناني من العودة إلى لبنان وخصوصا حين يكون مهدداً صحياً في ظل ظرف جائحة كورونا، وبين من يعتبر أن ثمة ظروفاً قاهرة اليوم أجبرت عددا كبيراً من الدول التي تفوق لبنان إمكانيات وقدرات على اتخاذ القرار الصعب بعدم إجلاء مواطنيها وإبقائهم حيث هم  وبالتالي كان الأجدى بلبنان العاجز والمنهار بسبب الأزمة المالية والاقتصادية أن يمتنع عن تحميل نفسه ومواطنيه وخزينته أعباء إضافية نتيجة ازدياد أعداد الإصابات.

بعيداً عن جوهر هذا النقاش المحق في المبدأ، الثابت الوحيد أن ما حسم قرار الحكومة بالقيام برحلات الإجلاء لعدد من اللبنانيين من الخارج، ليس حسم أحقية عودة هؤلاء من عدمها، بل قرار رئيس مجلس النواب الحاسم بضرورة إعادة المحسوبين عليه المنتشرين تحديداً في الدول الأفريقية تحت طائلة  التلويح بالاستقالة من حكومة الرئيس حسان دياب وتعطيلها.

هكذا يتضّح أن قرار إعادة اللبنانيين من الخارج لم يأخذ في الحسبان قدرات الدولة اللبنانية على فرض الحجر على العائدين بالقوة عبر حجزهم في فنادق مخصصة لمدة 15 يوماً تحت حراسة مشددة كما فعلت كل الدول المتحضرة، لا بل على العكس اعتمد القرار فقط على قاعدة تحقيق الزبائنية السياسية من المسؤولين تجاه مناصريهم وأزلامهم من دون أي اعتبار آخر!

هكذا فرض الرئيس نبيه بري قرار القيام برحلات إجلاء على الحكومة، كما كان “حزب الله” منع سابقاً وقف الرحلات مع إيران، ليتّضح أن القرار في الحكومة هو للثنائي الشيعي أولاً. وفي ظل القرار المتخذ بالإجلاء تمكن أيضاً “التيار الوطني الحر” من الاستفادة منه للقيام بخدمات لمناصريه في الدول المعنية بالإجلاء.

وفي المحصلة، ولأن القرار اتُخذ بناء على منطق الزبائنية المعتادة في لبنان، وفي غياب أي قدرة للحكومة على فرض إجراءات الحجر بالقوة على العائدين، يحصد اللبنانيون اليوم أعداداً متزايدة إضافية من المصابين بالكورونا ما يهدد توجه الحكومة نحو تخفيف إجراءات التعبئة العامة ومحاولة تحريك الاقتصاد المنهار.

وفي حين أن العالم كله يسارع إلى إعادة الفتح لأن الاقتصاد العالمي لا يحتمل مزيداً من الإقفال، هل كان ينقص لبنان مزيداً من الغرق في مستنقع التعبئة العامة خوفاً من الأسوأ صحياً؟ وماذا عن الأسوأ مالياً واقتصادياً وعن فيروس الجوع الذي يتهدد أكثرية اللبنانيين؟

مرة جديدة ندفع كلبنانيين فاتورة الزبائنية والشعبوية في اتخاذ القرارات، ولا يبدو الآتي من الأيام مشرقاً في ظل العجز لدى الحكومة عن أن تكون سيدة قرارها ومستقلة في اتخاذه، لا بل تثبت يوماً بعد يوم أنها أسيرة أركان المحور الذي أتى بها مهما حاولت ادعاء الاستقلالية!