كتب د. فادي خلف في “الجمهورية”:
بعد الأزمة المالية في العام 2008، قامت المصارف المركزية بضخ التريليونات في الاقتصاد الأميركي والأوروبي لتحفيز النمو، بما عُرف بالتيسير الكمّي، وكانت النتيجة أن ارتفع النمو وانتفخت أسعار الأسهم حتى بداية العام 2020.
منذ أشهر قليلة، بدأت الأسواق العالمية بالتردّد بين صعود وهبوط ،وكأنّ يوم الحساب قد اتى. وبعد فترة وجيزة ضربت جائحة «الكورونا» العالم فترنّحت البورصات وارتفعت البطالة الى مستويات غير مسبوقة، وتراجع النمو وطغى على الأسواق المالية اللون الأحمر الداكن. ولكن على أبواب الانتخابات الرئاسية، لم تشأ الإدارة الأميركية مخالفة العادة الشائعة.
تاريخياً، لم تشهد أسواق الأسهم الأميركية اداءً سلبياً خلال سنين الانتخابات منذ العام 1928 الاّ في السنوات التالية، 1932، 1940، 2000، 2008، ما عدا ذلك كان الارتفاع سيّد الموقف. وها اننا نرى إلادارة الاميركية توزّع الأموال بحسب القول الشائع اليوم، «ترمي الأموال بالهليكوبتر»، تيسير كمّي رفع الكتلة النقدية بالدولار الاميركي الى مستويات غير مسبوقة خلال شهر نيسان 2020.
إنّ استراتيجية التيسير الكمّي عبر خلق العملة أو طباعتها لا يمكن الّا أن تقود الى حالات تضخمية بإمتياز، خصوصاً إذا ما ترافقت مع أسعار فائدة شبه معدومة. وعندما نتكلّم عن التضخّم يتجّه كثيرون نحو التحوّط عبر الاستثمار بالذهب والفضة وأخيراً «البتكوين».
لم يعد خافياً على أحد أنّ مستقبل المعادن الثمينة يبدو واعداً وبقوة، وقد نصحنا منذ الصيف الماضي بالاستثمار في الذهب والفضة، ولم نزل نرى أرجحية متابعة الارتفاع في السنين المقبلة. أما الجديد، فهو التوقعات في ما خصّ «البتكوين» وهل تشكّل هذه العملة الملاذ الآمن كالمعادن؟
لقد فشل «البتكوين» حتى الآن بفك مساره عن مسار مؤشرات الأسهم الأميركية، حيث رأيناه يهوي مع هبوطها ومن ثم يعود الى الإرتفاع مع تماسكها. لكن عوامل أساسية عدة تجعلنا نعتقد أنّ تطوراً إيجابياً قد يطرأ على «البتكوين» وعلى العملات الرقمية بشكل عام ومنها:
أولاً: التضخّم والفوائد المنخفضة، هما عاملان يلعبان لمصلحة «البتكوين».
ثانياً: انّ ارتباط عملة «البتكوين» بمؤشرات الأسهم الأميركية قد يقودها الى منحى ايجابي في حال استفادت الأسهم من التيسير الكمّي.
ثالثاً: بعكس العملات التقليدية التي يُفقدها التضخّم من قيمتها، فإنّ «البتكوين» وبحكم الخوارزميات التي تحكمه، يقلّص أية توجّهات تضخمية مرة كل اربع سنوات، عبر تخفيض العوائد على هذه العملة الى النصف، خصوصاً أنّ انتاجها محدود بسقف 21 مليون وحدة «بيتكوين»، وبالتالي لا مجال لإغراق السوق بكميات كبيرة منها، رغم الطلب المتزايد عليها. وما يجدر ذكره، هو أنّ السنوات الأربع إنقضت وسيتمّ خفض العائد على تعدين «البتكوين» مرة اخرى بدءاً من شهر أيار 2020 من 12,5 «بتكوين» لعملية التعدين الواحدة الى 6,25 «بتكوين».
رابعاً: بدأت الصين منذ أيام قليلة في اصدار عملتها الرقمية، والتي تعتزم من خلالها تعميم استعمال اليوان الرقمي كعملة تبادل تجاري في حربها التجارية مع الولايات المتحدة. ويتوقّع البعض ان ترفض أميركا في الجلوس في المقعد الخلفي في مجال العملات الرقمية، وستعمد إلى إصدار الدولار الرقمي لمواجهة، ليس فقط تهديد اليوان الصيني، انما أيضاً عملة «الليبرا» والتي تعتزم شركة «فيسبوك» اصدارها رغم العرقلة الأميركية لهذا المشروع، خصوصاً ان «فايسبوك» يطال 2,5 مليار مستخدم في العالم، مما قد يؤمّن لعملة «الليبرا» انتشاراً سريعاً لا تُحمد عقباه بالنسبة للدولار الأميركي.
طبعاً، في هذا التسابق على العملات الرقمية، من المتوقّع ان يستفيد «البتكوين» من انحسار استعمال العملات التقليدية لصالح هذه العملات الالكترونية، وان كان بعضها مصدّراً من قِبل المصارف المركزية.
يبقى السؤال الأهم، هل تصح توقعات المحللين بأنّ سعر «البتكوين» سيرتفع ما بين 10 إلى 20 ضعفاً في السنتين المقبلتين؟
انّ العام 2022 لناظره قريب، رغم أنّ بعض المراقبين يشترطون لذلك تعافي أسواق الأسهم الأميركية لئلا تؤثّر سلباً على «البتكوين».