كتيت جويل رياشي في صحيفة الأنباء الكويتية
لم يعد الدولار الأميركي وحده عملة نادرة في أسواق المال اللبنانية، كذلك لم تعد القيود تطاول حصرا الإجراءات المصرفية لجهة السحوبات النقدية واقتصارها على العملة الوطنية وبكميات محددة.
التقنين وصل الى محلات بيع السلع الغذائية والسوبر ماركت التي باتت تفرض قيودا على الكميات التي يتاح لهم الحصول عليها، ما أدى الى عهد غير مسبوق في الاقتصاد اللبناني الذي لطالما كان حرا.
مشاهد تتكرر على صناديق الدفع، لجهة حجز العمال والعاملات كميات من البضائع والقول بلطافة مصطنعة: يحق لك بقطعة واحدة سيدي/ تي من هذا الصنف (غالبيتها مساحيق للغسيل وعبوات لزيت القلي والحليب).
وكثيرا ما يتم تدبير الأمر، بلفتة من الزبون التالي الذي يبادر عاملة الصندوق قائلا: دعيه يأخذ ما يريد من كميات، وسجليها في فاتورتي.
وتجدر الاشارة الى ان هذه الإجراءات الفردية من قبل الزبائن تهدف الى محاولة الإفلات قليلا من تفلت الأسعار، التي ترتفع في شكل مطرد، وغير مسبوق في الأسواق اللبنانية.
ولا يخفى على احد ان أسعار غالبية المواد الغذائية ومواد التنظيف والتعقيم ازدادت بقيمة أربعة أضعاف، بالتوازي مع حركة سعر صرف الدولار الأميركي في سوق الصيرفة اللبنانية التي تعرف بـ«السوق الموازية»، والتي تنشط فيها بقوة السوق السوداء.
وكذلك يلاحظ الزبائن غياب أصناف عدة من رفوف البيع، وهم يدركون انها متوافرة في مستودعات التخزين الخاصة بالمتاجر الكبرى، اذ يعمد أصحابها الى حجبها عن الزبائن، تمهيدا للإفادة من ارتفاع الأسعار لتحقيق أرباح غير مشروعة بنسب قياسية.
في الموازاة، لا تقف السلطة السياسية اللبنانية مكتوفة اليدين، اذ تتحرك أجهزة الرقابة في وزارة الاقتصاد والتجارة ومصلحة حماية المستهلك.
ويواكب حركة المفتشين أفراد من أمن الدولة أو الشرطة، لتسجيل محاضر ضبط وفرض غرامات مالية، ووضع البضائع المخزنة على رفوف البيع، وصولا الى إقفال متاجر بالشمع الأحمر.
وكانت الحكومة أقرت خطة من 17 بندا لـ«ضبط فلتان الأسعار» تتضمن تحديدا لنسب أرباح التجار وتتراوح بين ستة و18%، الا ان المواطنين يحاذرون التفاؤل بالحد الأدنى، انطلاقا من تجارب عدة غير مشجعة.
ويبدو المستهلك اللبناني في غاية الإصرار على الإقبال على المنتجات المحلية، وصرف النظر عن البضائع المستوردة، والتي يتم تسعيرها وفقا لسعر صرف الدولار القياسي.
وهذا يشكل فرصة للصناعي او المنتج اللبناني للوصول الى أسواق داخلية كانت مقفلة أمامه، ومشرعة أمام اصناف مماثلة مستوردة.
لا تنتهي الحكايات عن الأرقام القياسية التي سجلتها أسعار المأكولات والخضار ولا صورها على السوشال ميديا. ولا تنتهي بيانات وتحذيرات وزير الاقتصاد راوول نعمة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتذكيره المواطنين بالاتصال على خط ساخن وضعته الوزارة في تصرفهم.
وكان رئيس الحكومة حسان دياب قد قام بجولة ميدانية على مخازن كبرى مراقبا الأسعار، ومصحوبا برجال من الضابطة العدلية.
كما تحرك معن الخليل رئيس بلدية الغبيري في الضاحية الجنوبية لبيروت اثر تلقيه معلومات عن قيام تعاونية كبرى بإخفاء مواد مخزنة.
وأقفلت شرطة البلدية بحضور رئيس البلدية تعاونية مشهورة تقع في شارع حسن كنج، «بسبب احتكارها للمواد الغذائية لاسيما حليب الاطفال وسحبها من الرفوف وتخزينها في المستودع من أجل إعادة رفع سعرها وبيعها للمواطن على أنها مستوردة حديثا وكان ذلك بحضور القوى الامنية.
وتؤكد بلدية الغبيري أنها ستتابع جميع المؤسسات الغذائية التي ستتلاعب بأسعارها من أجل استغلال المواطنين ضمن بلدة الغبيري».
اللبنانيون يبحثون عن حلول يتمكنون عبرها من الصمود، وتخطي المرحلة الأصعب اقتصاديا في تاريخ لبنان.