لم يعد خافياً على أحد مستوى التردي الكبير في الأوضاع المعيشية والاقتصادية والنقدية والمالية… بالتوازي، تتفاقم نسب البطالة المرتفعة أصلاً، يومياً، في ظلّ صرف عدد كبير من الموظفين، أما من حافظ على وظيفته فخُفّضت قيمة راتبه أو يتقاضى نصفه، هذا إن لم يكن يعطى مبلغاً رمزياً، مقابل قلّة نادرة لا تزال تتقاضى راتبها كاملاً. إلا أن، حتى هؤلاء يعانون وضعاً صعباً، حيث أن تدني القدرة الشرائية لم يرحم أحداً في ظلّ ارتفاع الأسعار الجنوني الذي تسبب فيه سعر صرف الدولار، والذي جعل الحد الأدنى للأجور البالغ 675 ألف ليرة أي 450 دولاراً على أساس سعر صرف 1,500 ليرة ينخفض إلى 168 دولارا على أساس سعر صرف الدولار 4,000 ليرة أي تراجع بنسبة 63%، وفق إحصاءات الدولية للمعلومات.
والأخطر أن الأزمة الاقتصادية العالمية وإن كانت نتائجها أقلّ حدّة من المحلية، إلا أنها أدت إلى خسارة العديد من اللبنانيين المنتشرين لوظائفهم فعادوا إلى بلدهم الأم في عداد المغتربين خلال مراحل الإجلاء. فهل يساهم هؤلاء في ارتفاع نسب البطالة؟
الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين أوضح لـ “المركزية” أن “قبل تأزّم الأوضاع الاقتصادية وتطوّر المشاكل في لبنان منذ 17 تشرين وصولاً إلى أزمة “كورونا” كان عدد العاطلين عن العمل الفعلي 350 ألفا، أي ما يوازي 25% من حجم القوى العاملة، في حين أن الرقم الرسمي الصادر عن الإحصاء المركزي كان 11,6% وطبعاً هذا الرقم لا يعكس الواقع، بالتالي الرقم الرسمي النهائي غير متوافر”.
وتابع “نتيجة إقفال المؤسسات بعد 17 تشرين ومن ثم بسبب “كورونا” صُرف 80 ألف موظّف، ما رفع العدد الإجمالي إلى ما يقارب الـ 430 ألف عاطل عن العمل أي 32%، وهذا الرقم مرجّح للارتفاع لأن 50 ألف موظّف لم يصرفوا من عملهم لكن لا يتقاضون رواتبهم، بالتالي لا يزال مصيرهم غير محسوم”.
كذلك، لفت إلى أن “استمرار أزمة “كورونا” وامتداد الفترة الزمنية للعودة إلى الحياة الطبيعية يجعل العديد من المؤسسات قيد الإقفال، من هنا، هناك احتمال في ارتفاع معدّل البطالة المسجّل حالياً بوتيرة سريعة جدّاً في الأشهر المقبلة إذا لم تتّخذ حلول سريعة في السياق، لا سيما في القطاعات السياحية والنقل التي تعوّل على موسم الصيف، وإذا لم تكن نسبة الإشغال جيّدة خلاله، فهذا يؤشر حكماً إلى إغلاق إضافي لمؤسسات منضوية ضمن هذه القطاعات، وحالياً هذا القطاع الأكثر تضرراً محلياً، إلى جانب محالات بيع السلع غير الأساسية مثل الألبسة والأحذية وغيرها من الكماليات التي تراجعت مبيعاتها واضطرت إلى صرف موظفيها”.
أما في ما خص الوافدين من الخارج وتأثيرهم على واقع البطالة، فرأى شمس الدين أن “أعدادهم لا تزال معقولة، منهم من جاء موقتاً في انتظار استتباب الأوضاع وبعضهم قد يكون فَقَدَ وظيفته لكنهم لا يشكلون ضغطاً كبيراً حتى اللحظة وأعدادهم محدودة حيث تتراوح ربما ما بين الـ 1500 و2000 إذ لا إحصاء دقيقا عنهم بعد”، مؤكداً أن” المشكلة الأساسية ترتّبها أعداد البطالة في صفوف المقيمين”.
وأشار إلى أن “قبل أزمة “كورونا”، بلغ عدد المغتربين بحثاً عن فرصة عمل من المتخرّجين الجدد وغيرهم 66 ألفاً، ما انعكس انخفاضاً في نسبة البطالة المحلية، إلا أن السفر بات أصعب أو متعذّرا، إلى جانب تقلّص فرص العمل في الخارج، من هنا قد ينخفض عدد هؤلاء بشكل كبير أو حتى ينعدم لذلك نحن حكماً أمام ارتفاع كبير في نسب البطالة خلال الأشهر المقبلة من هذه السنة، وسيصبح أكثر من 500 ألف مواطن عاطلا عن العمل”.
وهناك معطيات تؤكّد التفاقم نحو الأسوأ للأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وترجّح أوساط الثورة “أن يضاعف هذا الواقع النقمة، ما سيعزز زخم الثورة وبالتالي موقعها، إذ ستنضم حتماً أعداد إضافية من الجياع احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي لم تعد تحتمل مع توسّع طبقة الفقراء، وكلّ ذلك نتيجة السياسات المهترئة التي انتهجتها الطبقة الحاكمة منذ 30 سنة من دون استثناء، مؤكدةً أن الثوار سيستمرون في رفع الصوت ضد المسؤولين الذين لم يتّخذوا أي إجراءات جذرية حتى اللحظة والحلّ الوحيد هو التخلّص من هذه الطبقة الفاسدة، لأن الثوار هم البديل”.
وختمت الأوساط معتبرةً أن الأحزاب الحاكمة تغفل ما يجري في الواقع، متلهيةً بالسجالات الكيدية والاستهدافات السياسية في أسلوب معتاد، من دون أن تلتفت إلى الحالة المعيشية المزرية التي وصل إليها البلد، الأمر الذي يهدد الاستقرار الأمني والاجتماعي، متسائلةً كيف تتجاهل الحكومة هذه المعطيات وتستمر في اعتماد سياسة التذمر وتحميل المسؤوليات في حين أن البلد على “كف عفريت”؟