كتب عيسى يحيى في “نداء الوطن”:
وزارة التربية، وخلفها المدارس، في حالة تخبّط حول مصير العام الدراسي الحالي وكيفية إنهائه، بعد سلسلة القرارات التي اتخذها وزير التربية طارق المجذوب، لتُعيد المعطيات على الأرض، وارتفاع معدّل الإصابات بعدوى “كورونا”، تغييرها. والأهالي في حالة ضياع وخوف على مصير أبنائهم، ويترافق ذلك مع أزمة معيشية خانقة.
لم تمض 48 ساعة على المؤتمر الصحافي لوزير التربية والذي أعلن فيه عن آلية العودة إلى المدارس والجامعات تدريجياً، حتى عادت الأمور إلى نقطة الصفر، وسط معلومات عن توجّه لإعادة إلغاء القرارات السابقة، بعد الحديث عن موجة ثانية من الفيروس، بدأت تباشيرها تظهر من خلال الإرتفاع المفاجئ في أعداد المصابين، وترافق ذلك مع تخفيض حالة التعبئة العامة والتي سمحت للمواطنين بفتح محالهم وعودة الحياة إلى دورتها الطبيعية شيئاً فشيئاً.
لا خطّة واضحة المعالم تسير بها الحكومة لضبط المرحلة المقبلة والخروج بأقلّ الخسائر صحياً واقتصادياً. يترافق ذلك مع عشوائية قرارات الوزراء وغياب التنسيق، ما يدفعهم إلى اتخاذ الإجراءات وفق تصوّرهم، لا وفق آليةٍ تعتمد التنسيق وخصوصاً مع وزارة الصحة التي حذّرت من موجة ثانية من “كورونا” في حال لم تضبط الأمور كما يجب، ويتّجه وزيرها إلى الطلب من مجلس الوزراء الإقفال التام ليومين كاملين بعد ارتفاع منسوب العدوى خلال اليومين الماضيين.
زادت الأزمة التي ضربت لبنان والعالم أجمع والمتمثلة بفيروس “كورونا” من معاناة المدارس في لبنان لا سيما الخاصة منها، سبقتها أزمة مالية عاشتها مع بداية ثورة السابع عشر من تشرين واجهت فيها صعوبات في دفع الرواتب والأجور نتيجة عدم قدرة الأهالي على دفع الأقساط المدرسية، وبدأ الحديث خلالها عن اتجاه بعضها للإقفال بسبب العجز المالي، لتأتي الأزمة الصحية وتُجبرها على الإقفال قسراً وتزيد أعباءها وتضعها أمام المشكلة منفردةً، من دون مساعدة الدولة، العاجزة عن مساعدة نفسها، تاركةً اللبنانيين لمصيرهم، تُغدق عليهم الوعود من دون تنفيذها.
أكثر من شهرين ونصف، وأبواب المدارس مقفلة أمام التلاميذ والأساتذة، فلا التعليم عن بعد وصل إلى التلاميذ كما يجب، بسبب الفقر والجوع الذي يضرب من دون رحمة، ومعه يعجز الأهالي عن تأمين مستلزمات هذا التعليم، ولا المعلّم حصل على حقوقه نتيجة تخلّف الأهالي عن دفع الأقساط وقد فضّلوا عليها الأكل والشرب للإستمرار على قيد الحياة، ولا المدارس، لا سيما المجانية منها، حصلت من الدولة على مستحقّاتها من المنح المدرسية لتدفع مستحقات الأساتذة، ولا البنوك أعطت قروضاً ميسرة للمدارس بصفر فائدة لمدة خمس سنوات، بناءً على تعميم حاكم مصرف لبنان لمواجهة أزماتها.
قرار وزير التربية الأخير المتعلق بالعودة إلى المدارس مع بداية حزيران وفتح دور الحضانات في الحادي عشر من أيار، أشعل غضب المدارس الخاصة التي اعتبرته قراراً غير مدروس ومُجحف في حقّها ويُحمّلها أعباءً إضافية غير التي تعيشها، أبرزها الأعباء المالية، إضافة إلى سلامة التلاميذ الصحّية والتي تبقى مهددةً في حال لم يتم تسجيل صفر إصابات. ولهذه الغاية، يعقد اليوم إتحاد المؤسسات التربوية الخاصة في لبنان إجتماعاً لمناقشة قرارات الوزير الأخيرة والتي لم توافق عليها نقابات أصحاب المدارس الخاصة والخاصة المجانية.
دم وحدة الموقف
رئيس اللجنة الأسقفية للمدارس الكاثوليكية راعي أبرشية بعلبك ودير الأحمر للموارنة المطران حنا رحمة، أشار في حديث لـ “نداء الوطن” إلى أن ما استوقفه هو عدم وحدة الموقف في مجلس الوزراء، حيث اتخذ قراراً بإعادة الحياة إلى طبيعتها بالتدرّج، فوزير الداخلية أصدر قراراً بفتح دور العبادة، ونحن طبعاً نرحّب، ووزير التربية يتّخذ اليوم قراراً بإعادة فتح المدارس، ليعود الحديث الى إمكانية إلغائه. فموضوع العودة إلى المدارس كبير جداً ونأمل من الحكومة أخذ القرارات بشكل جدّي ومن دون عشوائية. فأولاً لا بدّ للتلميذ من أن يكون مرتاحاً نفسياً من أزمة “كورونا” ليستطيع العودة إلى المدرسة، وثانياً ليست مشكلة إن أتممنا السنة الحالية في أيلول وتشرين ثم نبدأ بعام دراسي جديد، وقد فعلناها سابقاً، وهنا لا نعرف ما هي المقاييس التي يقيسون بها لإتخاذ قرار كهذا، كذلك لا داعي لأن تبقى صفوف الشهادات حتى آب طالما كانت تتابع التعليم “أونلاين” بحيث نستطيع أخذ الإحتياطات كاملة وإجراء الإمتحانات”.
وأضاف: “أما بخصوص أزمة المدارس المالية وكأن الدولة والحكومة يعيشان في عالم آخر، كيف يمكن أن نكمل العام الدراسي من دون حزام إقتصادي؟ فالأستاذ لا يستطيع إكمال السنة الدراسية من دون أن يقبض راتبه، وبحسب إحصاءات المدارس الكاثوليكية، هناك 22 % منها في آذار تدفع راتباً كاملاً والباقي بين الـ 30 و60 من نسبة المعاش، والناس لا تدفع أقساطاً، ونحن لدينا 71 ألف عائلة مستفيدة من المدارس بين معلم وأجير، وفي حال أقفلنا المدارس يصبحون بلا عمل”. ونبّه الى انه “إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإننا نتّجه إلى الإقفال التام في عدد من مدارسنا، ولا نرى أن للحكومة همّاً في مساعدة المدارس للخروج من أزمتها ولو بخمسمئة ألف عن كل تلميذ بالرغم من فلتان سعر صرف الدولار”.
وفي ما خص الأقساط، قال إن الناس نوعان: منهم لا يملك قوت يومه، ومنهم من يُكدّس الأموال وهو يعمل في التجارة والخضار والتهريب، وعليه لا نستطيع معاملة الناس كلها بالمعاملة نفسها، مشيراً الى أن استثناء الروضات والحلقة الأولى من إستكمال العام الدراسي يخوّلها التمنع عن دفع الأقساط ما يُحمّل المدارس عبئاً إضافياً.
لماذا استثناء التعليم الأساسي والروضات؟
بدوره، نائب رئيس نقابة المدارس الأكاديمية الخاصة وصاحب عدد من المدارس الخاصة والخاصة المجانية حسين صلح سأل في حديث لـ “نداء الوطن”: لماذا استثناء مرحلة التعليم الأساسي ومرحلة الروضات من القرار؟ فإذا كان المبرر ترفيعهم آلياً فهؤلاء يُرفّعون آلياً بناء على قرارات سابقة من الوزارة وممنوع الرسوب فيهم إلا بطلب من الأهل، ونحن كنقابة وأصحاب مدارس، لدينا رأي بضرورة عودتهم ايضاً، أسوةً بالحضانات التي اتخذ وزير الصحة قراراً أقرّ بموجبه بعودتهم من تاريخ 11 أيار، مشيراً إلى “أن العودة اليوم تتطلّب برامج جديدة ودوامات تعكف الإدارات على وضع خطط لها لتتناسب مع الوضع العام، من دون إسقاط الناحية التربوية”. واضاف: “في قرار سابق له بتاريخ الثالث من الشهر الحالي، أكد وزير التربية على إعفاء الأهالي من الديون المترتبة للمدرسة عليهم عن الأعوام الدراسية السابقة وتخفيض الأقساط المدرسية عن العام الحالي، في وقت لم يلحظ أزمة المدارس وكيفية استيفاء أقساطها عن هذا العام وفي الوقت نفسه تقوم بواجباتها كاملة تجاه المعلمين وصندوق التعويضات والضمان، والمدارس اليوم لم تستطع استيفاء أكثر من 30 % من قيمة الأقساط، والسؤال هنا: من يتحمّل مسؤولية العجز المالي في المدارس بعد قرار وزير التربية، حيث تم تحميلها المسؤولية كاملة وإغفال الأهل والمعلمين، مطالباً الدولة بتحمّل مسؤولياتها وتأمين مساعدات للمدارس، أسوةً بحكومة الرئيس الحص عام 1987 التي وقفت إلى جانب المدارس لتجاوز أزمتها.
وفي ما خص القروض التي تحدّث عنها حاكم مصرف لبنان، اشار الى أن اي مدرسة لم تستفد حتى الآن من أي قرض من البنوك، تحت عنوان لم يتم تحديد أي آلية لإعطاء القروض، وهو في حال نفذ يساعد المدارس على تأمين معاشات وتفي ببعض التزاماتها، واليوم في ظل غياب القروض والأقساط ومساعدات من الدولة ما هي إلا رسالة لإقفال المدارس الخاصة. مضيفاً بأن النظرة إلى المدارس الخاصة وان أقساطها عالية وكدّست أموالاً خلال السنوات الماضية هي غير صحيحة، فهناك فرق بين أقساط المدارس في مدارس بيروت وباقي المناطق، وفي بعلبك الهرمل أدنى الأقساط ولم تسجل المدارس خلال السنوات الماضية اي وفر بل كانت تسدّد التزاماتها فقط، وختم بأن المطلوب اليوم هو توحيد الرؤية لمشكلة المدارس وتوحيد المطالب، والوقوف عليها بشكل جدّي لضمان استمرار المدرسة الخاصة.