كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
انفجرت في منتصف العام الماضي فضيحة تهريب المشتقات النفطية إلى سوريا. وقتذاك بينت دراسة لـ “بلوم إنفست” ان فاتورة استيراد النفط في لبنان ارتفعت في الأشهر الستة الاولى من العام 2019 إلى 3.37 مليارات دولار بعدما كان معدلها نصف السنوي لا يتجاوز 1.6 مليارا. هذا الفرق الكبير بالاستيراد المقدرة كميته بأكثر من 3 مليون طن جرى تهريبها الى سوريا. ومن وقتها شرّعت المعابر أكثر وزادت عمليات التهريب، رغم كل الوعود الرسمية والمطالبات الشعبية باقفال المعابر غير الشرعية.
داخ منير سائق الحافلة الكبيرة التي تنقل الموظفين من الجبل الى بيروت، وهو يتنقّل من محطة إلى أخرى لتأمين 5 براميل من مادة المازوت على السعر المنخفض، لكنه عبثاً كان يحاول. فالسوق المحلية على حد قول أصحاب محطات المحروقات “منشّفة”. أما المواطنون وأصحاب المصانع والمؤسسات الخدماتية فلن يستفيدوا من السعر المنخفض لصفيحة المازوت التي وصلت الى ما يعادل 6 دولارات، بسبب انخفاض اسعار النفط عالمياً، وتأمين مصرف لبنان 85 في المئة من الدولار المدعوم لاستيراد المشتقات النفطية.
“التهريب” من أمام الصنعة
بحسب المعطيات فان الكمية المهربة من مادة المازوت الى سوريا تصل إلى حدود 2 مليون ليتر يومياً أو ما يعادل 730 مليون ليتر سنوياً، بقيمة تصل إلى 220 مليون دولار، على سعر 60 دولاراً للبرميل. يضاف اليها مواد نفطية أخرى، ترفع فاتورة التهريب الى حدود 400 مليون دولار. وعليه فان مصرف لبنان الذي يدعم المشتقات النفطية بنسبة 85 في المئة يتكبد خسائر بقيمة 340 مليون دولار تذهب بطريقة غير شرعية الى سوريا.
ضياع مئات ملايين الدولارات على انعاش اقتصاد سوريا يأتي في الوقت الذي “لا يتطلب فيه دعم المواد الاولية للصناعة الوطنية أكثر من 300 مليون دولار أميركي”، يقول عضو هيئة مكتب المجلس الإقتصادي والإجتماعي د. أنيس أبو دياب. “فالحصار الاقتصادي على سوريا وانهيار عملتها مقابل الدولار سيجعل من كل مادة تدعم في لبنان عرضة للتهريب إليها، على حساب فاتورة الدعم اللبنانية”. وبرأي أبو دياب فان “استمرار ارتفاع الدولار في لبنان سيشجع أكثر على التهريب لانه يزيد من ربح المهربين”.
هذه العملية المحترفة التي تتم عبر صهاريج تنقل المازوت الى الحدود وتفرغه في خزانات كبيرة، لينقل من بعدها عبر انابيب خاصة إلى الداخل السوري، لا تستنزف الدولار المدعوم من أمام اقتصاد متهالك فحسب، بل من الممكن ان تعرّض لبنان إلى عقوبات اقتصادية نتيجة تهريبه مادة محظورة الى دولة معاقبة دولياً. هذا فضلاً عن انه من المحتمل ان يكون المهربون رجال اعمال سوريين يتقاضون الثمن بالليرة السورية أو بأي وسيلة دفع أخرى. مما يعني عدم دخول الدولار الناتج عن التهريب إلى البلد من جديد. وبحسب أبو دياب فان “الاقتصاد اللبناني يخسر مرتين: مرة باستنزاف الدولار المدعوم عبر التهريب، ومرة بزيادة الطلب على الدولار في السوق المحلية مما يؤدي الى ارتفاع سعره”.
“شخصنة” التهريب
“منذ أكثر من عشر سنوات ونحن نطالب بايقاف التهريب عبر المعابر غير الشرعية وضبط تلك الشرعية، انما للأسف فان الأمور تشخصن وتصور الطلبات كأنها مس بالشخصيات والقيادات”، يعلق عضو تكتل الجمهورية القوية النائب فادي سعد على استمرار عمليات التهريب، وفشل كل محاولات اقفال المعابر غير الشرعية. “فليس المهم ان يجوع المواطن او يفلس البلد بل المهم ان لا تخدش شخصية المسؤول”. وبحسب سعد فانه “عندما اثرنا قضية التهريب عبر المعابر في الماضي القريب، اعتبر
“حزب الله” نفسه المتهم الأول، واخذ وزير الدفاع الياس أبو صعب المطالبة كإهانة شخصية له”. وعليه فان عمليات التهريب استفحلت أكثر من أي وقت مضى وأظهرت الوقائع ان كل “البروباغندا” الاعلامية التي أظهرت تشديد المراقبة وتسكير ممرات المهربين الصغار على “الدواب”، لم تكن إلا رأس جبل الجليد الذي يخفي تحته معابر الشاحنات.
اليوم ومع انهيار لبنان ومحاولات دعم السلع الاساسية من اللحم الحي، لم يعد التهريب مشكلة قانونية أو حتى سيادية بل أصبح جريمة موصوفة بحق المواطن اللبناني واقتصاده. فـ “بأي منطق أو عقل تهرّب السلع المدعومة”، يسأل سعد ليقول انه “آن الاوان لوقف التهريب بشكل نهائي، وتغيير النهج الوقح عند فئة من المسؤولين الذين تمر عمليات التهريب وفساد صفقات الفيول المغشوش وتجديد المناقصات رضائياً والبواخر والسدود والمعامل من أمامهم، وهم يصمون آذانهم ويقفلون أنوفهم ويغمضون أعينهم ولا يحركون أي ساكن. فان كانوا على علم مصيبة وإن كانوا لا يعلمون فالمصيبة أكبر”.