كتبت مريم سيف الدين في صحيفة “نداء الوطن”:
مجدّداً وجد صحافيون أنفسهم مضطرّين لتنفيذ وقفة إحتجاجية أمام قصر العدل في بيروت دفاعاً عن الحريّات، وتصدياً للتضييق عليها. فتحرّكوا منعاً لتكريس نهج استدعاء الصحافيين من قبل الأجهزة الأمنية ومخابرات الجيش، بعد نحو ثلاثة أيّام من استدعاء مكتب مخابرات الجيش في راشيا الصحافي أيمن شرّوف للتحقيق معه، من دون أن يوضح السبب.
وتوجّه الزّملاء ديانا مقلّد، جاد شحرور وشرّوف، إلى مكتب مدّعي عام التمييز، القاضي غسّان عويدات، للطلب منه التدخّل لوقف الاستدعاءات من دون مسوّغ قانوني. وبلياقة رفض عويدات مطلب الصحافيين، وقدّم لهم ما يشبه استشارة قانونية، ناصحاً إيّاهم بالتوجّه إلى وزيرة العدل، ماري كلود نجم، مصطحبين معهم تعميم وزير العدل السابق، سليم جريصاتي، الذي أصدره في العام 2017، والقاضي بتطبيق القوانين المرعية والإحالة أمام قضاء التحقيق وقضاء الأساس المختصّ، لتمضي عليه نجم ويعاد إحياؤه.
وبعد كلام عويدات اتّضحت معالم المعركة التي اختار خوضها الصحافيون من تجمّع النقابة البديلة الداعية للاحتجاج، والتي تشكّلت خلال الانتفاضة رافعة شعار حماية الحريات وحقوق العاملين في الإعلام. “اليوم فتحت معركة الحريات، معركة لها علاقة بوقف تمادي الأجهزة الأمنية في التعاطي مع المواطنين”، يقول شرّوف لـ”نداء الوطن”. واستكمالاً للمعركة تواصل شروف وزملاؤه مع نقابة المحامين، “كخطوة أولى سنجتمع بالنقيب ملحم خلف وسنرى معه كيف سنتوجه إلى وزيرة العدل لمطالبتها بوقف الاستدعاءات التعسفية التي تحصل”.
إذاً، رمى عويدات الكرة في ملعب وزيرة العدل، وتعهّد بوضع التعميم موضع التنفيذ بعد توقيعها عليه، كي يحرص على عدم استدعاء أي صحافي من قبل أي ضابطة عدلية. ويلفت صحافيون إلى أن المخابرات ليست ضابطة عدلية، وعلى التعميم الذي سيوقّع أن يؤكد أيضاً رفض الاستدعاء من قبل هذا الجهاز. وينظر شرّوف إلى تعاطي عويدات باعتباره مقبولاً، إذ “استطاع الوفد الحصول منه على موقف واضح في ما يتعلّق بتعميم جريصاتي. ما يعتبره الصحافي خرقاً محدوداً يجب متابعته للمراكمة عليه. “لم يكن مثلما تأمّلنا لكنّ الأمر مفهوم، هناك حسابات بين الأجهزة القضائية يجب أن نفهمها ونحسن قراءتها”.
إشارةً إلى أنّ شرّوف رفض المثول أمام مخابرات الجيش، إنما تقدّم لدى المحكمة العسكرية بطلب مفصّل يشرح فيه ما حصل ويطلب الحصول على ردّ واضح عن أسباب استدعائه للتحقيق وخلفيته، وعما إذا توافر بلاغ فعلي ضدّه أم أنها مجرّد دعوة لشرب فنجان قهوة. ولم يمنح عويدات شرّوف أي ضمانة لجهة حمايته من تداعيات عدم المثول أمام المخابرات، ونأى بنفسه عن المسألة. فيما لا يزال الصحافي ينتظر ردّ المحكمة العسكرية على استفساراته، ويعتبر أنّ مسألة مثوله للتحقيق من عدمه باتت أقل أهميّة من معركة الحريات التي يخوضها اليوم، “وقد ذهبنا بالشق القانوني ولن نقوم بغير ذلك”.
ويطرح اقتراح عويدات على الصحافيين العمل على إعادة إحياء تعميم صدر منذ أكثر من ثلاث سنوات السؤال عن مصير التعاميم، والاستنسابية في تطبيقها. كذلك يطرح السؤال عن دور وزيرة العدل، والسبب في دفع الصحافيين للتوجّه إليها بدل تذكيرها بالتعميم، كذلك عن المانع في تطبيقه في حال لم تصدر الوزيرة تعميماً يتعارض معه! بدل دفع الصحافيين لبذل كل هذا الجهد لتطبيق القانون، وإقناع القضاء بإعادة بسط صلاحياته على الأجهزة الأمنية. فهل نحن أمام صراع صلاحيات بين القضاء والأجهزة الأمنية؟ وما موقف وزيرة العدل من قضية الحريات؟