كتب أحمد الأيوبي في “اللواء”:
تعتقد قيادةُ «حزب الله» أن تجربة السابع من أيار 2008 لا تزال تصلح لتخويف اللبنانيين وإخضاعهم بمجرّد التلويح بها، باعتبار أن حركة القمصان السود كانت كافية لكسر إرادة الغالبية النيابية وتغييرها عام 2011 وأنّ القوى السياسية المعارضة للحزب غير قادرة على التجمّع والتصدّي له لإيقاف مسيرة ربط لبنان بمصالح المحور الإيراني، وأنّ باستطاعة هذه القيادة الرهانُ على تكرار موقف الجيش في حال قيام الحزب مجدداً بالعدوان على بيروت ومناطق أخرى.
ومع استئناف التهديدات بلجوء «حزب الله» إلى قوّة السلاح برزت التساؤلات عن موقف الجيش وقائده العماد جوزاف عون، وكيف ستتصرّف المؤسّسة العسكرية في حال وقوع المحظور؟
مصادر سياسية رفيعة تدعو إلى مقاربة موقف الجيش إنطلاقاً من تمسّكه بحق التظاهر السلمي ورفضه الضغوط للانزلاق إلى سفك الدماء الذي يسعى إليه بعضُ من في السلطة، لتبرير المزيد من القمع وإنهاك المؤسّسة العسكرية من جهة، ولإحراق فـُرَصَ قائد الجيش في الوصول إلى رئاسة الجمهورية من جهة ثانية.
وتكشف المصادر الرفيعة أنّ قيادة الجيش توصّلت إلى استخلاص العبر من كلّ المحطات والامتحانات الصعبة التي مرّت بها لتصل إلى نتيجة واضحة:
أنّ الجيش ما زال الأقوى في المعادلة الوطنية نتيجة التفاف الشعب حوله ومطالبته به كضامن لحمايته، بينما الطبقة السياسية تتخبّط في الصراعات وتنتج المزيد من الأزمات، وأخطرها الجوع، وأنّ الجيش سيكون إلى جانب الشعب من دون أن يتدخّل في السياسة.
أنّ الجيش لا يزال يحظى بالثقة الدولية والعربية رغم أنّ توجّهات السلطة السياسية أدّت إلى حرمانه من مساعداتٍ هامة، لكن الضغوط الخارجية موجهّة أساساً للتحالف الحاكم وليس للجيش.
وتوضح المصادر المطّلعة على كواليس الحركة الرئاسية والحكومية والنيابية، وعلى الاتصالات الدولية الجارية، بأن العماد جوزاف عون أبلغ من يعنيهم الأمر أنّ أولوية الجيش ستركز على قاعدتين لن يحيد عنهما:
التمسّكُ بواجبه في حفظ الأمن والسلم الأهلي مما يحتّم منع الانزلاق إلى الصدام مع الشعب وإسالة الدماء.
رفضُ أيّ محاولةٍ لتكرار عدوان السابع من أيار 2008 ، بمعنى أنه لن يسمح بقيام أيّ فريق باحتلال مناطق فريق آخر، وأنّه سيتصدّى لهذه المحاولات إذا وقعت، حفاظاً على وحدة الوطن ومنع تداعياتٍ ستكون شديدة الخطورة على وحدة لبنان أرضاً وشعباً ومؤسّسات، وأنّه في موقفه هذا سيكون مدعوماً من اللبنانيين ومن المجتمعَين العربي والدولي.
وتؤكّد المصادر أنه لا يمكن اعتبار هذا الموقف انحيازاً ضدّ أيّ طرفٍ بعينه، لأن الواجب يقتضي تنبيه الجميع إلى مخاطر الوقوع في فخّ الاعتقاد بإمكانية انتصار طرفٍ لبنانيّ على آخر بعد كلّ التجارب التي مرّ بها لبنان في تاريخه والتي يجب عدم تكرارها فالدم يستتبع الدم وتوازنات القوى ليست مستقرّة بينما يبقى الوطن يتسع لجميع أبنائه المؤمنين به وطناً للحريات والعيش المشترك والدولة ضمانة الجميع.
وتختم المصادر بالتوضيح أنّ «حزب الله» تلقّى الرسالة وهو يدرك أنّه في الظروف الراهنة لا يمكنه المخاطرة بخطواتٍ يعلم أنها ستؤدي إلى نتائجَ قد تخرج عن السيطرة. لذلك، فإن الحزب يستبق ما يراه من ازديادٍ في الحصار عليه وفقدانه للحصانة الوطنية، بمحاولة زرع الفوضى في المناطق الأخرى، كبديلٍ عن الاجتياح العسكريّ المباشر، وهذا ما يدعو إلى التأمّل في طبيعة الأحداث التي جرت في طرابلس وعودة الحديث عن دخول مجموعاتٍ إرهابية من سوريا إليها، مما يدفع للتساؤل عن الجهة المسيطرة على جانبي الحدود ومن له المصلحة في إعادة شبح التطرف إلى سماء «أيقونة الثورة».
تدعو المصادر إلى المزيد من التعمّق في التحقيق بما جرى في طرابلس وإلى إحضار جميع المشاركين في أعمال التخريب والإحراق للمصارف والمؤسسات وحتى لآليات الجيش، وصولاً إلى الجهات التي دفعت الأموال وأعطت الأوامر وأعاقت الجيش ومنعته من حماية تلك المرافق، مع التأكيد على ضرورة إعلان نتائج التحقيق وكشف الجهات الآمرة التي تقف وراء تلك النكبة التي ضربت قلب المدينة.
كما تذكّر بضرورة وقف ظاهرة إطلاق النار ورمي القنابل وظهور المجموعات المسلحة في شوارع الآحياء في الليل مع ما تحمله عودتـُها وتوسّعها من هواجس ومخاوف مبرّرة من عودة الفوضى إلى طرابلس، مع التساؤل عمّن يملك الغطاء للظهور المسلّح والحصانة من ملاحقة القوى الأمنية.
وتشير المصادر إلى أن هناك من كان ولا يزال يدفع إلى أن تكون المدن السنية، وخاصة طرابلس وصيدا، مرتعاً للفوضى والإنفلات الأمني بدل أن تكون مساحة للثورة والحرية، وهذه ليست المرّة الأولى التي تتعرّض فيها لهذا التشويه المقصود. وليس لهذا الاستهداف سوى مصدرٍ واحد يعلمه الجميع ويعلن عن نفسه بالفعل قبل القول، فبصماته السوداء لا تزال ظاهرة في مخيم البارد وشوارع طرابلس ومساجدها ويعرفه أهلُها الذين ليس لهم خيار سوى لملمة جراحهم بعد كلّ جولة قتال وبعد كلّ تفجير لمسجد أو ساحة، ثمّ التمسّك بما يحملونه من قيم الثبات والاعتدال والعيش المشترك، لكنهم هذه المرة ينتظرون أن يشكّل الجيش درع الوقاية لهم من الفوضى والفتن، كما أكّد قائدُه أنه سيمنع العدوان بالسلاح على اللبنانيين.