كتب محمد علي مقلد في صحيفة “نداء الوطن”:
كأنه نداء داخلي هو الذي أخرج الناس إلى الشوارع في 17 تشرين. توافق من غير مفاوضات، تطابق في الموقف والتحليل بين مئات الآلاف من اللبنانيين الملتفين حول العلم الوطني تعبيراً عن غضب وبحثاً عن خلاص. لكن ما جمع الناس هو برنامج للثورة مبتكر. بدافع الحرص على النظام الدستوري طالب الشعب بإسقاط الحكومة لا بإسقاط النظام، لتقوم حكومة جديدة تصلح ما جرى تخريبه في السياسة والاقتصاد والتربية وفي منظومة القيم الأخلاقية.
حققت الثورة البند الأول من برنامجها بإسقاطها الحكومة، أما البند الثاني فحققت فيه نصف انتصار. هي فرضت حكومة بغياب رموز الصف الأول الذين استفادوا من غموض وصفة “التكنوقراط” وعادوا بالتسلل. لكن الأهم أن الثورة صارت لاعباً أساسياً في الصراع السياسي بفرضها رقابة شعبية على نشاط السلطة السياسية.
إنتهز أهل الحكم فرصة الكورونا فاستأنفوا التسويف والمماطلة وتشديد القبضة الأمنية بحجة الوباء، ما فرض على الثورة انكفاء طوعياً من الشوارع والساحات، ولم يدم الانكفاء طويلاً بسبب تباطؤ السلطة في البحث عن حلول، بل بسبب تهربها إن لم نقل عجزها عن اجتراح الحلول.
إخترق الثوار الحظر ونظام الحجر واستأنفوا أشكال التعبير عن الغضب، لكن من غير خطة هذه المرة. في الجولة الأولى كانت الخطة واضحة. كل أشكال الضغط من أجل تحقيق البند الأول في برنامج الثورة، أي إسقاط الحكومة. في كل الساحات والشوارع والتظاهرات علم واحد ومطلب واحد منه يبدأ الحل: إسقاط الحكومة. لم تثنهم اعتداءات المندسين، وما هانت عزيمتهم. ابتكروا كل أشكال التعبير السلمي، بالسلسلة البشرية على طول الساحل اللبناني، أو بالعرض المدني بديلاً عن العرض العسكري في عيد الاستقلال، بالتجمع في الساحات وقطع الطرقات والنوم في خيم الثورة في ساحتي الشهداء ورياض الصلح، والمطلب واحد ومنه يبدأ الحل. إسقاط الحكومة. وأسقطت الثورة الحكومة.
في الجولة الثانية، البرنامج ذاته، لكن من غير خطة. دعوات مبعثرة على وسائل التواصل. واحدة للاحتجاج أمام وزارة الاقتصاد، وأخرى للاعتراض على سوء توزيع المساعدات، وثالثة لاستنكار التوقيف التعسفي، ورابعة للهجوم على المصارف، وخامسة للتجمع أمام المصرف المركزي، وسادسة للاعتصام في بعلبك احتجاجاً على التلاعب بسعر الدولار، وسابعة أمام قصر العدل للمطالبة باعتقال وزراء الطاقة أو للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين من أهل الثورة، وثامنة للاحتجاج على القمع الوحشي وتعذيب الثوار، وتاسعة لمنع التهريب وإقفال المعابر، وعاشرة ضد المخابرات وأخرى رفضاً لسياسة التجويع.
يمكن القول عن هذه التحركات النضالية، وقد تكون كلها صادقة ومحقة، إنها تشبه القصف العشوائي، في حين تحتاج الثورة إلى خطة اقتحام، إلى اختراق جبهة السلطة من خاصرتها الرخوة، إلى التسديد على مكان واحد لتحقيق إنجاز ثانٍ بعد إسقاط الحكومة.
إن الثورة، إذ تشدد على نهجها السلمي تحت سقف الدستور، فهي مطالبة في هذه المرحلة بالتركيز على قضية واحدة وبحشد طاقاتها وصب جهودها على حماية السلطة القضائية برفع يد السياسيين عنها.هذا مدخل لا غنى عنه ولا بد منه لتحقيق بنود أخرى في برنامج الثورة. وهو يفترض مستوى أعلى من التنسيق بين مكونات الثورة.