كتبت كلير شكر في صحيفة “نداء الوطن”:
لا داعي لأن يقف رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط على منبر بيت الوسط ليعلن بالفم الملآن دعمه لصاحب الدار… توقيت الزيارة بحدّ ذاته أكثر من معبّر. للصورة في هذه الحالة معان لا تحتاج إلى الكثير من الاجتهادات والفتاوى. بين الرجلين الكثير من القضايا والمسائل المعروضة للنقاش والتداول. ولكن في هذه اللحظة بالذات، التأكيد على زعامة سعد الحريري هو الأهم.
نجح بهاء الحريري في تحريك المياه الراكدة من حول بيت الوسط. ولكن هذا لا يعني أنّ نجل رفيق الحريري الأكبر قادر على خطف الزعامة أو تجييرها لمصلحته رغم المصاعب الكثيرة التي تحيط بشقيقه. لا توحي عدّة الرجل أنّه ينطلق من منظومة علمية تعبّر عن رؤية متكاملة قد تساعده على تقديم نفسه زعامة بديلة. وحده اعتقاده أنّ باستطاعته ملء الفراغ، يدفعه إلى القفز إلى الحلبة السياسية حتى لو كانت قفزة في المجهول.
بعد ساعات من حلول السفير السعودي وليد البخاري ضيفاً في بيت الوسط، ها هو وليد جنبلاط يتوسط الدار. الهدف نفسه. بالأساس، شهدت العلاقة بين الحريري ورئيس “الاشتراكي” الكثير من التحسينات والتطمينات المتبادلة، وبالتالي لا مناسبة طارئة قد تجمع الرجلين، إلا تأكيد دعم جنبلاط للعباءة الموضوعة على كتفيّ سعد الحريري. ولهذا تصبح بقية جدول الأعمال تفصيلاً ثانوياً.
لا حاجة ليقولها جنبلاط بالحرف الواحد. هو أصلاً يحرص في كل مرة يعيد فيها وصل ما انقطع مع بيت الوسط على التأكيد “أننا كنا وسنبقى مع هذا البيت”. هذا ما فعله في السادس من شباط الماضي بعد مرحلة من المناوشات والاشتباكات العابرة لمواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن يعاود الحزبان لقاءاتهما المناطقية والقطاعية والسياسية لترتيب العلاقة الثنائية.
عملياً، منذ جلوس الفريقين على مقاعد المعارضة، قرر الرجلان ترتيب خلافاتهما. بات هامش المصلحة بينهما أكبر، ولو أنّ مساحة الخلافات لا تزال موجودة. ولكن يمكن على ضفافها تنظيم التباينات. ولهذا ثمة تشاور دائم وتنسيق حين تقتضي الأمور ويسمح هامش التلاقي. ضمن هذا الهامش، ثمة توافق على منح الحكومة فرصتها حتى الرمق الأخير. لهذا تتسم معارضتهما بالكثير من الهدوء والتروي حتى لو اتخذت أحياناً منحى تصاعدياً. ولكن لا نية، أقله لدى جنبلاط للسعي إلى رجم الحكومة وتأليب الشارع ضدها ولا البحث عن بدائل. فالظروف لا تسمح بهذا الترف ولا بدّ من الدفع باتجاه تحسين سلوك الحكومة وأدائها. هذا أفضل الممكن.
ولكن في ما يخص العلاقة مع الرئاسة الأولى، فيصير التباين متاحاً. الحريري يخوضها معركة مواجهة، حصر مروحة خصوماته برئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، أما وليد جنبلاط فيترك لـ”الصلح” مطرحاً، وها هو منذ أيام قليلة يقصد قصر بعبدا للقاء رئيس الجمهورية ميشال عون نتيجة مبادرة قادها أحد الأصدقاء المشتركين.
حتى في ما يخصّ “اللقاء الوطني” الذي عقد في بعبدا، تعاطى الرجلان بمنطقين مختلفين. الحريري أشهر سلاح المقاطعة العلنية، فيما جنبلاط لعبها على طريقته. سلّم رئاسة الجمهورية ملاحظاته على الخطة، لكنه لم يحضر كما لم يحضر ممثل عنه طالما أنّ الدعوة شخصية.
كذلك الأمر بالنسبة لتشريح الخطة المالية. تتعامل القوى المفترض أنها معارضة مع الوثيقة الحكومية المرفوعة إلى صندوق النقد الدولي، بشكل مستقل. لا تنسيق ولا تشاور في ما خصّ الملاحظات الموضوعة عليها. الكل ينتظر وصول الخطة إلى مجلس النواب. حتى القوى الداعمة للحكومة تنتظرها هناك لـ”تنتف ريشها”. كذلك الأمر بالنسبة للقوى المعارضة أي “تيار المستقبل”، “الحزب التقدمي الاشتراكي” و”القوات”. كل منهم يضع ملاحظاته على حدة ويترقب لحظة “تقريشها” الى اقتراحات.
حتى الأسلوب واللهجة في المقاربة قد يختلفان. الاشتراكي يستعد لخوض غمار الخطة بطريقة هادئة، موضوعية، خالية من دسم الاشتباك والتشنّج، مع أنه أرسل ملاحظاته إلى كل الأحزاب والقوى قبل مناقشة الخطة في مجلس النواب.
ولكن لا تخطيط لوضع سلّة ملاحظات موحدة. أغلب الظنّ أن قوى المعارضة ترفض الاقتراب من حافة تأليف جبهة معارضة ولهذا تترك الهامش بينها قائماً. كثيرة هي الأسباب التي تحول دون ولادة هذه الجبهة، بعضها ذاتي يرتبط بعامل الثقة المفقودة، وبعضها موضوعي يتصل بالظروف غير المؤاتية. بيت المعارضات بمنازل كثيرة. يؤكد مسؤول اشتراكي أنّ الفكرة لم تطرح بالأساس من جانب أي مكون معارض، وبالتالي إنّ البحث في الأسباب فيه مبالغة.