كتب محمد دهشة في صحيفة “نداء الوطن”:
لم تجد الحاجّة نور مفرّاً من بيع ما تبقّى لديها من حلى ذهبية كي تؤمّن قوت عائلتها، في ظلّ الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة. فالزوجة التي فقدت مُعيلها قبل سنوات، تولّت مسؤولية تربية العائلة المؤلفة من ثلاثة اشخاص، واحتاجت ابنتها الى عملية جراحية، فدفعت “ما فوقها وتحتها” لشفائها، ثم جاء الانهيار المالي والانتفاضة الشعبية والكورونا، وهي على الأرض وتحت خط الفقر، فقرّرت أن ترفع الراية البيضاء وتستسلم بعد صمود من “اللحم الحي”.
ونور تُمثّل نموذجاً للكثير من العائلات اللبنانية والفلسطينية في صيدا التي ضاقت بها سبل الحياة، مع الغلاء وارتفاع الاسعار وانهيار قيمة الليرة اللبنانية امام ارتفاع الدولار الاميركي، لجأت الى بيع ما لديها من مقتنيات – ان كان لديها بالاصل ـ ومنها الحلى الذهبية لتعيش بكرامة. تقول بتحفّظ كبير لـ”نداء الوطن” والخشية من العيب: “قاومت الفقر، لكنّه في نهاية المطاف هزمني، كنت أعمل بين الحين والآخر في تنظيف المنازل مقابل أجرة يومية، ولكن الحال توقّف ولم أعد أجد ثمناً لرغيف خبز، ما دفعني الى بيع قطعة ذهبي الوحيدة وهي تذكار من والدتي من أجل الاكل والشراب”.
نشتري الذهب
في المقابل، يشهد سوق الصاغة في صيدا، إقبالاً لافتاً على شراء الحلى والذهب، “انعكست الآية” بدلاً من البيع، فعشرات المحال وضعت على أبوابها الحديدية في الخارج لافتة “نشتري الذهب”، لم تكن موجودة من قبل، بعضها ذُيّل “باسم… ورقم هاتف” وغبّ الطلب، والبعض الآخر تُرك على حاله لحين فتح المحل وفق الايام المسموح بها الخميس والجمعة والسبت من كل اسبوع. “حاجة الناس الماسة تدفعهم الى ذلك”، يقول أحد الباعة في معرض شرحه للضائقة المعيشية التي يعيشونها وتدفعهم لبيع اغلى وأحبّ ما يملكون، فلا يجدون مفرّاً من بيعه على أمل في أن تتحسن الاحوال، ولكنها للأسف تسوء”، مضيفاً: “هؤلاء عادة يقصدون المحل مرة واحدة، لأن اغلبيتهم يملكون قطعة واحدة من الحلى وصغيرة غير ثمينة مثل الخاتم او الاقراط (الحلق) والمحظوظ منهم اسوارة”، قبل ان يقسم بالله بأن بعضهم يدخل الى المحل ويؤكد انه اضطرّ لبيع الحلى من اجل لقمة العيش بعيداً من ذل السؤال”، فلا يملك ثمن ربطة خبز ولا يجد رغيفاً يسدّ به رمقه”.
مجاعة ونمط
في خضمّ الأزمة والمخاوف من موجة ثانية من “كورونا”، يساور أبناء المدينة الخشية من الوصول الى المجاعة، قد لا تتّخذ اشكالاً مختلفة، منها عدم وجود اصناف كثيرة من المواد الغذائية، ومنها الغلاء الذي يمنع غالبية العائلات الفقيرة والمستورة والمتعفّفة من الشراء، فالبطالة وارتفاع الاسعار كفيلة بذلك، فيما المُخيف ما يتحدث عنه البعض عن تغيير قسري في نمط الحياة، سيقلبها رأساً على عقب. ويتوقّع عصام الحلاق ان تفرض تداعيات ما بعد “كورونا” على الصيداويين كما على كل اللبنانيين نمطاً جديداً في الحياة، يقوم على “التقشف الدائم”، بعد افراغ الجيوب من السيولة والقضاء على خيار التقسيط الذي اعتمد لسنوات كنهج في التعامل اليومي، ولم يقتصر على شراء الشقق او الأثاث او السيارات، وانما وصل الى حد الخطوبة والزواج.
وما يزيد الطين بلّة، ارتفاع معدل البطالة، مع إقفال الكثير من المؤسسات والشركات، اما من تبقّوا في العمل، فان رواتبهم لم تعد لها قيمة او قدرة شرائية أمام ارتفاع الدولار. وتعبّر الناشطة سعاد الخطيب عن ذلك بالقول: “أصعب شعور وقت ما تمرق من جنب محل أحذية فخم وتلاقي معاشك مكتوب حق صرماي”.
ميدانياً، شهدت صيدا حركة خفيفة بعد ارتفاع اعداد المصابين بالفيروس، لجهة السيارات والمواطنين الذين حرصوا على ارتداء الكمّامات والكفوف مجدّداً، فيما بدا أنّ أبناء المدينة يستعدّون لحجر منزلي جديد، عشية تطبيق قرار الحكومة بالإقفال لمدة اربعة ايام، من مساء الاربعاء حتى صباح الاثنين، وسط تساؤلات عن الجدوى منه، اذ يقول خالد الزعتري: “والله العظيم صاير مش عم افهم، الحكومة بدّها تحد من “كورونا” فبتقوم بتصدر قرار إقفال بخلّي لبنان كلو ينزل على السوبرماركت بنهار واحد”، بينما يعتبر سمير العبد الله “من الآخر فشلت العودة الثانية للمغتربين لأن الحكومة تعاملت مع القادمين كحاملي دولار نقدي وليس كحاملي فيروس. قريباً سوف تبدأ الموجة الثالثة من عودة المغتربين، فالتشدّد، اضافة الى الشروط الصحية في المطار، ضروري جداً العودة إلى مراكز للحجر، كما خُطّط عند اتّخاذ قرار العودة. كان من الضروري تأجيل العودة الثالثة حتى يتم التأكد من حجم الكثافة الوبائية الجديدة، ويُبنى على الشيء مقتضاه، لكن للاسف ما زلنا ننظر إلى العائد كراكب يدفع ثمن تذكرتين ويحمل العملة الخضراء نقداً، وآخر همهم الفيروس والى صعود جديد في عدد الاصابات، والله يستر”.