Site icon IMLebanon

رئيس “إيدال” مازن سويد: لا خروج من الأزمة إلّا من الباب المحلّي

كتبت إيفون أنور صعيبي في “نداء الوطن”:

في خضمّ التخبط الاقتصادي والمالي، وما يرافقه من أحداث متسارعة نحو المجهول، يبرز خيار العودة الى الحلول المحلية بدءاً بتفعيل التصنيع والتصدير وصولاً الى تطوير مجالات الاستثمار. لتحقيق ذلك، لا بدّ من تغيير أسس الاقتصاد اللبناني وتحويله من اقتصاد ريعي مدمّرٍ للبيئة الاستثمارية وتستفيد منه الاقليّة، إلى اقتصاد إنتاجي متوازن ومستدام يستجيب لمصالح الأكثرية.

في هذا الاطار، يتجلّى دور المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان، ورئيسها د. مازن سويد الآتي من صندوق النقد الدولي الى البنك الدولي، الى القطاع المصرفي، الى المجلس الاقتصادي والاجتماعي وأخيراً… “إيدال”. يطرح سويد في هذه المقابلة مع “نداء الوطن” تصوّراً يستحق التوقف عنده خصوصاً للأهمية التي تزخر بها “إيدال” لناحية تعزيز القطاعات الانتاجية والصناعات الوطنيّة، وأكثر من ذلك، لإعادة المكانة الضرورية للحلول المحليّة.

ما هي رؤيتك لـ”إيدال” بعد سنوات من اللاخطط؟

في 10 تشرين الاول 2019، صدر مرسوم تعيين مجلس إدارة المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان – إيدال لتتسارع الاحداث بعد ذلك على نحو تصاعديّ، بدءاً من الثورة وصولاً الى الأزمة المالية ومن ثمّ “كوفيد-19”. كانت الظروف حتى اللحظة معاكسة بالنسبة الينا، لكننا رغم ذلك تمكنّا من وضع خطة عمل وباشرنا تنفيذها، ونأمل ان تعود إلى اندفاعتها فور انتهاء حالة التعبئة العامة وعودة النشاط الى طبيعته. والواقع ان “إيدال” تضطلع بدور اساسيّ ستزداد أهميته خلال الفترة المقبلة، خصوصاً مع العودة الى تعزيز قطاعي الزراعة والصناعة، والأهم، اعادة الاعتبار للانتاج المحلي الذي لا حل من دونه.

يعوّل كثيرون على المساعدات والهبات والقروض التي قد تمنحها جهات خارجية الى لبنان، فما هي الحلول العمليّة برأيك؟

تواجه دول العالم كافّة صعوبات جمّة بسبب فيروس كورونا. لذا، لا يجب الاتكال على المساعدات الخارجية، رغم اهمية السعي للحصول عليها. هذا الامر يؤكد ضرورة الاعتماد بشكل أساسي على الحلول المحليّة. وهنا يكمن دور “إيدال” التي قامت بوضع خطط أوّلية تبدأ بتشجيع الصادرات في الدرجة الاولى، كما بحثنا في ماهية القطاعات ذات القابلية المرتفعة للتصدير. هنا لا بد من التشديد على انه بدون تصدير لن تكون هناك امكانية لتمويل كلفة المواد الاولية المستوردة. وللتصدير نحن بحاجة الى اسواق جديدة، وهذا ما تباحثنا بشأنه مع نظرائنا في الدول الصديقة على رأسها المملكة العربية السعودية والكويت والامارات العربية المتحدة، ولولا “كوفيد- 19” لكنا سرنا في الخطط الموضوعة وقطعنا شوطاً فيها. كذلك، شاركنا في عدد من النشاطات المتمحورة حول سبل تصدير القطاعات الغذائية اللبنانية بالتعاون مع غرفة الرياض، وكنا على وشك زيارة الامارات للترويج لقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على هامش المؤتمر الاستثماري الذي أُجّل بدوره بسبب كورونا. بالاضافة الى ذلك تباحثنا مع نظرائنا في الاردن في موضوع صناعة الدواء ومستحضرات التجميل. كما بحثنا في مشاركة قطاع الصناعات الغذائية اللبنانية في اهم معرض لهذا القطاع في نيويورك:”Fancy Food Show “. باختصار، سنعاود العمل على تشجيع التصدير عبر البعثات التجارية الهادفة. صحيح ان الخطة تباطأت بفعل الأزمة الكورونية، الا اننا سنتابع تنفيذها قريباً جداً وهي ركيزة اساسية للرؤية التي وضعناها في مجلس الإدارة منذ تعييننا.

هذا في موضوع الصناعة والتصدير، لكن في مجال الاستثمار ما هي خطتكم؟

فور استلامنا مجلس ادارة “إيدال” أدركنا انه سيكون من الصعب اقناع اي مستثمر اجنبي بضخ أموال جديدة fresh money في مشاريع جديدة نظراً للتخوف من عدم القدرة على إخراج هذا المال، خصوصاً وانّ العامل الاستثماري الأهم هو كيفية استرجاع رأس المال. لذا قررنا وضع هذا الامر جانباً للفترة الراهنة بانتظار تعديل عدد من القوانين والمراسيم واقرار قوانين اخرى من ضمنها الـ capital control الذي، في حال تم اقراره، يفترض ان يوفر ضمانة للاستثمارات الجديدة. في هذا الصدد، نطرح فكرة استثمار الودائع الموجودة اصلاً في القطاع المصرفي المحلي من خلال اعادة توظيفها. في لبنان 120 مليار دولار ودائع يجب ان يستثمر معظمها في الاقتصاد المنتج. خلال الفترة الاولى من الازمة النقدية – المالية، تم استثمار جزء من هذه الاموال في القطاع العقاري وقد فاقت هذه الاستثمارات الـ5 مليارات دولار. ولكن ايضاً هناك فرص كبيرة في القطاعات الانتاجية. في الواقع، كثيرة هي المصانع والشركات والمؤسسات التي تعاني من ضيقة مادية وبدأت وللمرة الاولى تفكر ببيع جزء من رأسمالها لتأمين مصدر تمويل بعد توقف المصارف عن الاقراض. تحتاج هذه المؤسسات الى شركاء استراتيجيين ما يعني ارتفاع الطلب التمويليّ. وهنا يأتي دور ايدال التي وضعت خطة في هذا الإطار، وعملت على انشاء منصة ملائمة للاستثمار business matchmaking platform وهي تضمّ شركات مستعدة للحصول على تمويل مقابل بيع جزء من رأس المال، كما تضم بعض الصناديق والمودعين من كبار رجال الاعمال الذين يرغبون بايجاد صيغة للاستثمار في شركات ومؤسسات قادرة على التصدير او على استبدال المستوردات. ومن شأن خطوة مماثلة أن تخفض محفظة المصارف للديون المشكوك بتحصيلها، وفي الوقت عينه تحرير الشركات من أعبائها ومديونيتها وتأمين شريك استراتيجيّ لها.

يعتمد الاقتصاد الوطني على ضخّ سيولة في السوق كلّ فترة، فهل يمكن أن يستقطب لبنان مصادر ضخّ سيولة جديدة؟

يحتاج اقتصاد لبنان الى ضخّ سيولة. فميزاننا التجاري عاجز، وانا اتوقع ان يبقى عاجزاً لفترة من الزمن بما أنّ المستوردات تفوق بأشواط الصادرات. ذلك يعني أنه مهما حاولنا التعاون مع شركائنا الدوليين لرفع حجم التصدير، ومهما شجعنا الصناعات الغذائية التي تستبدل المواد المستوردة، سنبقى بحاجة الى استيراد العديد من الادوية والمعدات الطبية بالاضافة الى المواد النفطية والقمح، ما يترك نسبة العجز في الميزان التجاري مرتفعة. لذا سنحتاج دائماً في لبنان لتمويل خارجي بالعملات الصعبة، اي الى ضخ سيولة في الاقتصاد الوطني. هذا الأمر يحتاج إلى حلّ جذري لإعادة هيكلة الدين العام، كما لرؤية تنموية تركز على تنمية القطاعات الانتاجية.

ما رأيك بخطة الحكومة الانقاذية، ولماذا لا يتم اعتماد خطة ماكينزي؟

تناولت خطة ماكينزي القطاعات الانتاجية والطرق الأمثل لوضع لبنان على الطريق الصحيح لبلوغ مستوى انتاجي ذي قيمة مضافة عالية. فالكلفة المرتفعة في البلد، والمرتبطة بجغرافيته وثقافته، تستوجب الاتكال على الانتاج ذي القيمة المضافة العالية والقادر على التنافس عالمياً.

يحتاج لبنان في الواقع الى أوركسترا متكاملة من المسارات للعودة الى الطريق الصحيح على الصعيد الاقتصادي والمالي والنقدي والأهم الاجتماعي. فبالإضافة إلى خطة ماكينزي وخطة الحكومة، نحتاج إلى برنامج طوارئ اجتماعي، وذلك في ظل ارتفاع الأسعار وتهديد القدرة الشرائية للجميع وبالأخص لذوي الدخل المحدود.

هل يمكن لصندوق النقد الدولي أن يشكل خلاص لبنان؟

حصلت أزمة الإفلاس الاخيرة في الارجنتين وهي في خضمّ برنامجها مع صندوق النقد الدولي. لذلك، علينا أن نعي أن الصندوق يطرح اصلاحات صعبة وغير شعبية. فاذا لم يتم الالتزام بها، واذا لم يتبنها الشعب، ينفجر الوضع. في هذا الإطار، ليست المساعدات الدولية، في حال حصول لبنان عليها، كافية من دون الدعم الشعبي والإلتزام بالاصلاحات. لذلك، لا بدّ من وجود وحدة وتلاحم على الصعيد الوطني. وهو ما ندعو الجميع اليه لأننا جميعاً في المركب عينه.