كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
باكراً جداً إفتتح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية معركة رئاسة الجمهورية في لبنان علماً أن هذه المعركة تحسمها التوازنات الاقليمية والدولية وليس طموحات بعض الطامحين.
لا شك أن روسيا دولة مؤثرة في الشرق الأوسط واستفادت من تمددها في سوريا على غفلة من الولايات المتحدة الأميركية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما لتزيد نفوذها في المنطقة، لكن هذا النفوذ بقي محصوراً في دمشق ولم يطل تأثيره لبنان.
وأكبر دليل على هذا الكلام هو عدم قدرة لبنان على شراء رصاصة واحدة للجيش من روسيا، أو الأصح عدم قدرة موسكو على بيع بيروت رصاصة واحدة حتى لو توافرت الأموال في الخزينة اللبنانية.
في بلد مثل لبنان فانه من المبكر جداً، وقبل نحو سنتين ونصف السنة من انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، الحديث عن المرشحين للرئاسة إذ ان كل المؤشرات تدل على أن عون سيكمل ولايته الرئاسية.
ويعمل فرنجية على حجز مقعده في الصفوف الأمامية للمرشحين، وتعتبر روسيا من الدول الأقرب الى محوره، علماً ان علاقة آل فرنجية مع موسكو قديمة وقد لعبت عام 1970 دوراً ما في إيصال جده الرئيس الراحل سليمان فرنجية الى بعبدا بعد امتعاض الإتحاد السوفياتي من الشهابية والمكتب الثاني والعمل على إسقاط مرشحهما الياس سركيس لصالح مرشح الحلف فرنجية.
لكن ظروف المرحلة تغيرت كثيراً اذ إن صراع القطبين، أي الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية، لم يعد موجوداً وباتت واشنطن هي القوة التي تحكم العالم.
وتشير مصادر ديبلوماسية في موسكو لـ”نداء الوطن” الى أن روسيا كانت ممتعضة من أداء عون خلال الإستحقاق الرئاسي الأخير وعرقلته وحمّلته مسؤولية الفراغ، وعندما تم طرح إسم فرنجية من قبل الرئيس سعد الحريري لم تمانع لأن هدفها كان إنهاء الفراغ الرئاسي بأي ثمن، حتى ان نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف كان يطرح سلة أسماء غير عون وأبرزهم قائد الجيش آنذاك جان قهوجي والنائب جان عبيد، وفرنجية كان من ضمن السلة، لكن هذا الأمر لم يصل حينها إلى خوض روسيا معركة إيصال فرنجية الى بعبدا على رغم العلاقة الجيدة بينهما.
وتشدد المصادر على أن موسكو تلعب دوراً توافقياً في لبنان ولا تريد أن تدخل في لعبة الوقوف مع طرف ضد الآخر وهي وإن كانت لا تمانع في وصول فرنجية الى بعبدا الا أنها لا تخوض معركته.
وتعيد المصادر الديبلوماسية عدم تبني روسيا لترشيح فرنجية الى عوامل عدة ابرزها:
اولاً: ان الوقت ما زال مبكراً لفتح الإستحقاق الرئاسي، وترفض روسيا أي خضة على الساحة اللبنانية مثل إسقاط عون والدخول في فراغ رئاسي.
ثانياً: ان أولوية روسيا هي سوريا وليس لبنان، وبالتالي فان التسوية الكبرى في سوريا تعني حكماً إراحة الساحة اللبنانية لذلك فان جهودها منصبة على هذا الأمر.
ثالثاً: تتبع روسيا سياسة الصداقة مع كل اللبنانيين وليس مع طرف واحد وهي تحاول نسج علاقات مع كل الزعماء الموارنة، وقد زار نائبا “القوات” فادي سعد وزياد الحواط موسكو في إطار تحسين العلاقة بين “القوات” وروسيا، وتشير المعلومات الى أن جعجع قد يتلقى دعوة لزيارة روسيا بعد الإنتهاء من أزمة “كورونا”، وبالتالي فان روسيا لا تريد أن تخسر علاقاتها مع أطراف مسيحية لها ثقلها على الساحة المسيحية واللبنانية.
رابعاً: لا تريد موسكو أن تكون طرفاً في الصراع اللبناني وتصفية الحسابات، خصوصاً بعد انهيار التسوية بين الحريري وعون، وترفض استخدامها في لعبة التنمير لزكزكة أي طرف لبناني والقول إنها تفضل فرنجية على رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل لأن الأمور ليست مطروحة بهذا الشكل.
خامساً: لا يمكن التغاضي عن مواقف فرنسا ودول الخليج في المعركة الرئاسية، والتي يفوق تأثيرها على الساحة اللبنانية تأثير روسيا.
وتشير المصادر الى أن موسكو تعلم جيداً مدى النفوذ الأميركي في لبنان وان ظروف انتخابات 2022 الرئاسية مغايرة تماماً لظروف معركة ما بعد الفراغ الرئاسي عام 2014، واذا كان التأثير السوري والإيراني في ذروته في ذلك الحين إلا أن الوضع مختلف تماماً حالياً لأن ايران تحت الحصار، خصوصاً اذا تم التجديد للرئيس دونالد ترامب.
ويضاف إلى كل هذه المعطيات أن واشنطن دخلت الى السياسة اللبنانية بالمباشر. وبالتالي، فان روسيا لا تستطيع الإحتفاظ بحليفها الرئيس بشار الأسد في دمشق والمجيء بصديقه فرنجية في لبنان لأن هذا الأمر لن تقبل به واشنطن.
ويبدو ان طرح اسم فرنجية باكراً هو للحرق وقد سقط الأخير بالفخ، فمن جهة، فان مرشح روسيا لن يمر في لبنان لأن واشنطن سترفضه على رغم أن علاقة بنشعي جيدة بالأميركيين كما أن عصر مرشحي 8 آذار قد ولّى لأن واشنطن لن تقبل بمرشح “حزب الله” حتى لو رشحه الرئيس سعد الحريري، في حين ان سياسة واشنطن الجديدة خلق طبقة سياسية جديدة لأنها لم تعد تثق بالطبقة الحالية والتي يشكل فرنجية أحد ركائزها منذ 1990.
وكانت السفارة الروسية في لبنان نفت في بيان أمس “أي تلميح الى احتمال تدخل روسيا في الشؤون الداخلية اللبنانية، بما في ذلك انتخابات رئاسة الجمهورية”.