أعلن رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي نزيه الجباوي في مؤتمر صحافي عن بعد، أن الرابطة “سجلت ملاحظاتها على بنود خطة الحكومة الإصلاحية والوضع التربوي العام”.
وقال: “يعيش اللبنانيون أزمة قاسية لم يعرفوا مثيلها من قبل، تتدحرج آثارها لتشمل مجمل نواحي حياتهم وتشتد وطأتها على الفئات الاجتماعية الفقيرة والأكثر فقرا والذين أصبحوا يشكلون الأغلبية الساحقة من المجتمع اللبناني”.
واضاف: “لقد استبشر اللبنانيون خيرا بتشكيل الحكومة ووجدوا فيها فرصة حقيقية لحمايتهم من التدهور المتسارع في قيمة الليرة وجنون الأسعار والجموح المتصاعد للتضخم المالي وتوقف الأعمال والمهن، فوباء كورونا ليس وحده ما يهدد حياة المواطنين، بعد أن عمت البلاد أوبئة أخرى اشد خطورة فتكت بعيش المواطنين، فتراجعت قيمة مداخيلهم وانقطعت أرزاقهم وانعدمت فرص العمل وزادت البطالة ما يهدد بانفجار اجتماعي له تداعياته المقلقة على السلم الأهلي. لذلك، فإن رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، تطالب الحكومة بالعمل فورا على تصحيح الأوضاع ودرء المخاطر الاجتماعية التي تهدد اللبنانيين بعد أن وصلت الأمور إلى مستوى لم يعد يطاق. فالحكومة لا يمكن أن تقف موقف المتفرج حيال التفلت الحاصل في سوق القطع وانعكاسه على مستوى الأسعار، بل المطلوب العمل على وقف تدهور قيمة الليرة ومكافحة الاحتكار والغلاء وانتشال البلاد من أزمته الخانقة”.
ولفت الى أن الرابطة “تنوه بالخارطة الإصلاحية لاستعادة الاقتصاد الوطني عافيته ووضعه على المسار الطبيعي وهي تتفق مع الخطوات الإصلاحية الواردة في الخطة التي أقرتها الحكومة والتي من شأنها ترميم الاقتصاد وإنقاذ المالية العامة، وهي حصرا تتمثل بمكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة ومحاسبة المتورطين في اختلاس المال العام، والإجراءات المتعلقة بتشجيع المهن والمشاريع الصغيرة ومساعدة القطاعات الصناعية على التخلص من أعبائها والترويج للصادرات والاحتفاظ بالوظائف وزيادة فرص العمل على أن تؤسس هذه الخطوات لخطوات أكثر تفصيلا وشمولية تمنح الاقتصاد القدرة على تحمل الصدمات والانتقال من النموذج الريعي إلى النموذج المنتج”.
وأشار الى انه “لطالما كانت الرابطة تدعو دائما إلى نهج إصلاحي يعالج الثغرات والاختلالات السائدة ما يمنح الاقتصاد استدامة، من خلال احتواء الدين العام وتفعيل دينامية النمو وتحقيق الاندماج الاجتماعي وترسيخ عناصر التنمية البشرية في المجتمع اللبناني، بحيث يعتبر تحقيق هذه الأركان الأساسية نقطة تحول واعدة للاقتصاد الوطني ووضعه على المسار الطبيعي والصحيح. وإذا كان إعداد خارطة إصلاحية مطلبا اجتماعيا ملحا، فإنه من غير المسموح أبدا والمرفوض مطلقا الالتفاف على مطالب الناس باتخاذ إجراءات تستهدف المس بالرواتب والأجور ومعاشات التقاعد وسائر التقديمات الاجتماعية الأخرى وفرض ضرائب جديدة يقع عبؤها على الفئات الاجتماعية الأضعف ومحدودي الدخل، ما يجعل تسديد ثمن الإصلاح الاقتصادي المزعوم من جيوب الفقراء وعلى حسابهم. في الوقت الذي وصلت فيه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية حدا لم يعد السكوت عنها أمرا ممكنا”.
وتابع: “تحذر الرابطة من الاندفاعة المتسارعة لطلب الدعم الدولي قبل أن تنضج الظروف الداخلية المناسبة للتصحيح، وهي إذ تناشد المعنيين بإطلاق حوار وطني من أجل الإصلاح. فقد لاحظت ان الخطة تكاد تكون نسخة منقحة او معدلة من بيان خبراء صندوق النقد الدولي الذي صدر في ختام بعثة مشاورات المادة الرابعة لعام 2018 (تاريخ 12 شباط 2018) الأمر الذي يدعو للقلق ويثير الكثير من التساؤلات حول الدوافع التي اوصلتنا إلى الظروف الراهنة، وما إذا كان هناك من أيدي خفية حاولت استدراج لبنان إلى النفق المظلم استعدادا لرميه في أحضان المؤسسات الدولية، لا سيما صندوق النقد الدولي، ليكون شكلا آخر من أشكال الانتداب او الوصاية الدولية، وتصبح عندها التكلفة الاجتماعية للخطة أكثر بكثير من عوائدها الاقتصادية والمالية المتوقعة، وتبدو الهواجس تلك محقة عندما ترد في معظم مفاصل الخطة المعروضة جلب أشخاص دوليين طبيعيين او معنويين لإدارة الأصول العامة ومراقبة أداء القطاع العام، وهو ما يمنح الآخر بحكم ظروف الأمر الواقع سلطة خارجية على الدولة اللبنانية”.
وأوضح أن الرابطة “تبدي ملاحظاتها الأولية على الخطة بما يلي:
أولا: إن اعتماد الاقتراض كخطوة وحيدة لانتشال الاقتصاد من كبوته وإخراجه من النفق المظلم لا يمكن أن يشكل ضمانة لاستدامة النمو خصوصَا وأن الحكومات المتعاقبة قد اعتمدت المنحى نفسه والذي كان من نتائجه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمالية التي وصلنا إليها اليوم. لذلك يجب اتخاذ تدابير من شأنها الاستفادة من موارد المجتمع المتاحة المادية والبشرية وحمايتها وإعادة توجيهها لاستثمارها في البنية الاقتصادية المنتجة لأنها الضمانة الأكيدة للتطوير والتنمية السليمة.
ثانيا: إن تحرير سعر صرف العملة الوطنية قد لا يعطي الإنتاج المحلي مزايا تنافسية، بل العكس من الممكن أن يؤدي إلى تدمير ما تبقى من قطاعات إنتاجية والتي لا تزال طرية العود عندنا بفعل ارتفاع كلفة إنتاجها. لذلك ندعو للاستجابة سريعا لمطالب الصناعيين وإعادة النظر بالاتفاقيات الجمركية وتعديل وتيرة الانفتاح من أجل مساعدة القطاعات المنتجة على النهوض، وفي الوقت ذاته نخشى من أن يكون تخفيض قيمة العملة مقدمة لتحرير أسعار السلع، لا سيما منها التي تشكل معظم مكونات السلعة الغذائية للمواطنين، الأمر الذي يزيد من الفقر والعوز ويترك اللبنانيين يعتاشون على فتات المساعدات التي تبشرهم بها الخطة.
ثالثا: نحذر من أن تكون إعادة رسملة المصارف في ظل الكابيتل كونترول بابا إضافيا للسطو على أموال المودعين ومحاولة الاستيلاء على مدخراتهم التي جنوها من كدهم وجهدهم على مدى سنوات ما يزيد الأمر تعقيدا، ولن يمنح الاقتصاد فرصة لاستعادة الثقة وضمان تدفق الودائع الخارجية.
رابعا: نطالب بتخفيف المزيد من معدلات الفوائد لما لذلك من آثار إيجابية مثمرة على صعيد المالية العامة وبيئة الأعمال، لا سيما بعد ان التهمت كلفة الدين العام أكثر من نصف الإيرادات وشكلت عاملا كابحا للاستثمار. في الوقت الذي نرفض فيه محاولة تقليص الأجور أو التقديمات الاجتماعية الأخرى بحجة ارتفاع حصتها من مجمل الإنفاق العام. فالأجور هي أصلا منخفضة ورغم إقرار سلسلة الرتب والرواتب، إلا أن الأساتذة لم يحصلوا على مطالبهم المشروعة بعد، زد على ذلك تدهور القيمة الشرائية لهذه الأجور وتآكلها بسبب الغلاء وجموح التضخم المالي الذي تجاوز مؤشره التراكمي أكثر من 62% الأمر الذي أوصل الأجور الحقيقية إلى مستويات أقل مما كانت عليه قبل إقرار السلسلة عام 2017.
خامسا: نطالب في ظل التقلبات الحادة للأسعار اعتماد التصحيح الآلي للأجور وفق مؤشر اسعار فصلي، إذ لا يعقل ان يتحمل العاملون التباينات السريعة في الأسعار خلال سنة كاملة وما ينتج عنها من تفتيت للقيمة الحقيقة للأجور. مع الأخذ بالاعتبار ان يكون التصحيح على اساس القيمة الاسمية للراتب الذي يتقاضاه الموظف بما يراعي العدالة الوظيفية ويحفظ مبدأ الأقدمية في الخدمة اليومية. إزاء كل ذلك بات تصحيح الأجور مطلبا ملحا وحاجة فعلية في ظل التزامات من ديون وأقساط وتأمين الحاجيات المعيشية لم يعد بمقدورالأساتذة التقيد بها.
سادسا: نرفض أن لا تتناول عملية الإصلاح الالتفات إلى قطاع التعليم وإشراكه في عملية تصحيح المسار الاقتصادي من خلال الاستثمار في الإنسان. فالدول الرائدة اقتصاديا قد أولت هذا المجال مكانة هامة في برامجها التنموية وأعطت بالتالي دفعا قويا للنمو الاقتصادي. لذلك نرى ضرورة تعزيز الإنفاق على التعلم وإصلاح المناهج وتحفيز المعلمين لضمان فعالية الأداء وتطوير المنظومة التعليمية برمتها. وندعو إلى اعتبار التعليم من الوظائف الأساسيَة التي لا يمكن شملها بإجراءات تجميد التوظيف، ونقترح العمل على تثبيت المتعاقدين تدريجيا وإلحاق فائض العام 2008و 2016 مرحليَا، كالموظفين منهم ومن ثم الآخرين. ونحذر من محاولة استخدام الإصلاح كوسيلة للاستيلاء على أصول الدولة وخصخصة قطاعاتها وضرب القطاع التعليمي استعدادا لهدمه وتصفيته.
سابعا: كنا نأمل ان يأتي إصلاح نظام التقاعد بإلغاء الضريبة التي فرضت على المعاشات التقاعدية وتطويره ليصبح كجزء من 35 سنة وما دون بدلا من 40 سنة، حتى يتسنى للسواد الأعظم من الأساتذة الاستفادة من تصفية على كامل رواتبهم حين إحالتهم إلى التقاعد نتيجة تجاوزهم السن القانوني. وبدلا من ذلك فوجئنا بأن هذا الإصلاح يحمل بنودا مريبة، كإلغاء المعاشات التقاعدية بعد الوفاة ومعاملة الصبيان والفتيات بالطريقة نفسها، وصولا إلى التفاف على هذه المعاشات عبر سلبها من خلال ما تزعمه الخطة من تغطية صحية شاملة للمواطنين. إن الرابطة إذ تصف هذه البنود بالتخريبية وهي تمنحها صكا مفتوحا لاتخاذ خطوات تصعيدية وتحذر من السير بها، تدعو إلى إلغائها فورا وقد “أعذر من أنذر”. وتذكر الرابطة أن بند التقاعد قد أشبع درسا ونوقش في المجلس النيابي وأقر في موازنة العامة 2019″.
وعلى الصعيد التربوي، قال الجباوي: “إن التطورات السلبية لوباء كورونا، هي التي تتحكم بكل الخيارات في ما خص العام الدراسي، أما من وجهة نظرنا كرابطة لأساتذة التعليم الثانوي، وكثانويات رسمية ومدراء وأساتذة هي استحالة عودة كل الطلاب في 28 أيار الحالي نظرا لصعوبة تأمين التباعد الاجتماعي والحماية الصحية وتجنب الاختلاط والاحتكاك، فاقتراحنا هو التالي:
– إستقبال صفوف شهادات الثانوية العامة فقط، ضمن مجموعات تحذدها الأعداد في كل ثانوية، بالترافق مع إنجاز حذف المحاور من بعض المواد، وقد تمت المباشرة بذلك في المركز التربوي بناء على استبيان حصل في الثانويات الرسمية يبين الدروس المنجزة حتى تاريخ 29 شباط الماضي.
– في ما خص باقي الصفوف الإنتقالية هناك خياران:
أ- تعليق العام الدراسي إلى الوقت الذي تسمح به الظروف الصحية وانكفاء وباء كورونا، ونأمل أن يتسنى لنا ذلك مع بداية شهر أيلول القادم، وحيث أنه لا يمكن التعليم في فصل الصيف، فينجز ما تبقى من البرامج وتجري الامتحانات النهائية في مهلة أقصاها 30 تشرين الثاني من العام الحالي.
ب- إنهاء العام الدراسي واعتماد علامات الفصل الأول للترفيع، وإجراء امتحانات للراسبين بعد استكمال الكفايات المطلوبة للصفوف الأعلى، حتى لا يظلم أحد من الطلاب.
ج- يترافق ذلك مع إنهاء عملية التعلم عن بعد، التي كان لرابطة أساتذة التعليم الثانوي رأي مختلف حولها، وإراحة الجو التربوي عند الأهالي والأساتذة والطلاب، بعد أن أصبح مطلبا عاما مع حفظ حقوق جميع المتعاقدين في ضمان عقودهم خصوصا وأنهم سيعودون للتعليم واستكمال ما تبقى من برامج، وإعطائهم كامل حقوقهم حتى لو حصلت زيادة في الساعات التي أنجزوها”.
وختم: “أيها الأساتذة والمعلمون؛ لن ننتظر طويلا وكما قلنا في مؤتمر صحافي سابق، إذا كانت التعبئة العامة هي المانع من النزول إلى الشارع في ظل وباء كورونا، فعلى الحكومة وكل أركان الدولة النظر في الأمر بالسرعة اللازمة، لأن الوضع أصبح لا يحتمل ولا يطاق”.