كتب إيلي الفرزلي في صحيفة “الأخبار”:
فتح مجلس الوزراء الباب أمام مفاوضات جدّية تجرى مع الشركات المهتمّة ببناء معامل الكهرباء. إقرار مذكرة التفاهم الموحّدة يعطي وزير الطاقة إمكانية التواصل الرسمي مع تلك الشركات تمهيداً لتكوين فكرة وافية عن عروضها التقنية والمالية. والأهم أنه يعطي فكرة عن كيفية تعامل الشركات العالمية ودولها مع لبنان ما بعد الانهيار المالي والنقدي
خطوة أخرى خطاها مجلس الوزراء على طريق الألف ميل لإنشاء معامل الكهرباء. بعد شهر ونصف شهر من موافقة المجلس على تفويض وزير الطاقة ريمون غجر «التفاوض مع كبرى الشركات المصنّعة لتوربينات الكهرباء ودراسة إمكانياتها ورغبتها ببناء معامل، بموافقة وغطاء ومواكبة من دولها»، قرر المجلس أمس الموافقة على مذكرة تفاهم أعدّتها وزارة الطاقة لهذه الغاية. بعد ذلك يفترض أن تعكف الوزارة على عرض هذه المذكرة على الشركات المذكورة في القرار الوزاري (سيمنز، جي إي، إنسالدو، ميتسوبيشي) والشركات المهتمة، والعمل على توقيعها من قبل الطرفين (الوزارة والشركات)، للانتقال بعدها إلى مرحلة المفاوضات الجدية، على أن ترفع النتيجة إلى مجلس الوزراء مجدداً.
ما سبق لا يعني شيئاً. الطريق طويل والإفراط بالتفاؤل ليس في محله. صحيح أن الشركات التي راسلتها الوزارة استجابت لطلبها وأبدت رغبتها المبدئية بالتعاون مع الدولة اللبنانية بهدف إنشاء معامل الكهرباء، مع تقديمها عروضاً أولية. إلا أن هذه العروض لم تأخذ بعين الاعتبار الوضع المالي للدولة والمخاطر المستجدة، على ما يشير وزير الطاقة. وهو ما يسمح بالتخوف من تعديلات جدية قد تطرأ عليها أو حتى تنسفها، علماً بأنه لم يعرف ما إذا كان هذا الاهتمام لا يزال قائماً، بعد معلومات تم تناقلها في الوزارة عن انسحاب شركات كسيمنز.
ما أخّر موافقة المجلس على مذكرة التفاهم لم يكن الخلاف على مضمونها. تعديلات بسيطة أجريت على الوثيقة غير الملزمة للموقّعين عليها، لكن ما حصل أن الخلاف انتقل إلى المربع الأول. أين ستبنى المعامل؟ فإذا كانت خطة الكهرباء قد أشارت إلى ثلاثة أماكن هي: الزهراني ودير عمار وسلعاتا، فقد رفض وزراء في الحكومة السير بمعمل سلعاتا. كما جرت الإشارة إلى أن «الفرنسيين أبلغوا وزير الخارجية ناصيف حتّي أن الموافقة على خطة الكهرباء تتّصل بإقامة محطتين لإنتاج الكهرباء، ما يؤكد عدم جدوى إنشاء معمل سلعاتا الذي يرتّب كلفة إضافية لا تتناسب مع الواقع الحالي للدولة.
بالفعل، سقط معمل سلعاتا من الخطة أمس، فدعا القرار الحكومي إلى تطبيق الخطة، بعد رفع وزارة الطاقة تقريراً بنتيجة التفاوض مع الشركات، «بدءاً من الزهراني واستكمالاً لها بحسب الخطة». ذلك يحسم، إن وصلت المفاوضات إلى نتيجة إيجابية، أن المعمل الأول سيبنى في الزهراني، مع احتمال أن يعرض معمل «دير عمار ٢» على التلزيم تالياً، في حال قررت الشركة الملتزمة حالياً، والتي تواجه صعوبة في تأمين التمويل اللازم له، الانسحاب. على أن يكون معمل سلعاتا آخر العنقود، إن أعيد إحياؤه.
تجدر الإشارة هنا إلى أن خطة الكهرباء التي يوحي مجلس الوزراء بأنه ينفذها، قد نسفت عملياً، فهي تشير إلى بدء الأعمال في «دير عمار ٢» في عام ٢٠١٩، فيما يفترض أن يبدأ العمل على بناء معملَي الزهراني وسلعاتا في عام ٢٠٢٠. بالنتيجة، لا بدأ العمل بـ«دير عمار ٢» ولا يُتوقع أن يبدأ العمل بأي من المعامل في العام الحالي. وزير الطاقة أعلن أن الاتصالات مع الشركات قد تحتاج إلى ثلاثة أشهر جديدة. فيما قد يأخذ تحضير دفتر الشروط وتوقيع العقود وتأمين والتمويل أشهراً طويلة.
بالنتيجة، فإن العروض الأولية المقدمة أفضت إلى الحصول على بعض المعطيات، ومنها:
تتراوح قيمة القروض التي يمكن تأمينها وفق صيغة EPC+F (إنشاء المعمل لمصلحة الدولة وتأمين التمويل له) بين ٨٠ في المئة و٨٥ في المئة من قيمة المشروع، على أن تقوم الدولة بتأمين القيمة المتبقية (سبق أن أعلن غجر عن أولوية البحث عن تمويل كامل للمعامل بسبب الأوضاع الراهنة وعدم قدرة الدولة على التمويل).
التمويل… أبرز التحدّيات أمام بناء المعامل
تأمين ضمانات دفع قيمة القروض من قبل وزارة المالية (كان ذلك قبل الانهيار المالي والنقدي).
الاعتماد على الفيول الثقيل HFO يمكن أن يعرقل القدرة على تأمين القروض، ما يوجب البحث جدياً في تأمين الغاز الطبيعي لتشغيل المعامل، وإلا سيكون الخيار هو اعتماد الديزل أويل الأكثر كلفة.
وفيما سبق أن كشفت «الأخبار» عن مراسلات أجرتها إحدى الشركات الصينية مع رئاسة الحكومة ووزارة الطاقة، أكد وزير الطاقة وجود اهتمام صيني بالاستثمار في معامل الكهرباء. وأشار إلى أن الوزارة راسلت السفير الصيني في الثاني من نيسان الماضي، ربطاً بإبداء الصين اهتمامها سابقاً بتمويل مشاريع إنشاء معامل من خلال شركات صينية متخصصة في بناء المعامل وفق صيغة EPC+F (طوت الحكومة صفحة الـ BOT بعدما أدركت صعوبة دخول أي مستثمر في مخاطر طويلة الأمد في بلد غير مستقر، أضف إلى أن هذا النوع من العقود يحتاج إلى وقت طويل لتنفيذه). وقد ردت السفارة الصينية بالإشارة إلى انه سيتم الاتصال بالجهة المعنية بالاستثمارات الخارجية (China Foreign Contractors Chamber) لتقديم توصية للشركات الصينية المختصة التي يمكن أن تتعاون مع الدولة اللبنانية من أجل إنشاء المعامل وتأمين التمويل اللازم وفق شروط مشابهة لباقي الدول، حيث يسدد القرض خلال ١٠ إلى ٢٠ سنة بفائدة لا تتجاوز ٢.٥ في المئة. كما أشار وزير الطاقة إلى أن وجود صيغتين للتمويل، واحدة تتطلب ضمانات سيادية وأخرى لا تتطلب هذه الضمانات، إنما بشروط مختلفة تحدد وتبحث في حينه.
إلى ذلك، فإن مذكرة التفاهم التي أقرت (٦ صفحات)، تنص في مقدمتها على أن الهدف منها هو «تحديد مجالات التعاون الممكنة بين الوزارة والشركة لتطوير مشاريع إنتاج الطاقة في لبنان وتحديد جدول زمني وخطة العمل الضرورية لتنفيذ هذه المشاريع بعد إقرارها وفق الأصول».
وقد حددت مدة هذه المذكرة بستة أشهر إلا في حال تطور المفاوضات، على أن يشمل نطاقها الأهداف التقنية المطلوبة التي تؤدي إلى بناء المعامل وتشغيلها، علماً بأن توقيع هذه المذكرة لا يشكل التزاماً للوزارة أو للشركة للدخول في عقد المشروع، إلا في حال توافق الأطراف على ذلك خطياً أو دخلوا في علاقة تعاقدية ملزمة. كما لا تمنع هذه المذكرة الوزارة من الدخول في مناقشات من أي طرف ثالث.