سريعاً، بدأ الحصار الداخلي والخارجي يشتدّ، على وقع انطلاق المفاوضات بين الدولة اللبنانية وصندوق النقد الدولي، وما تظهّر من تلازم المسارَين التقني والسياسي، من خلال تعبئة متصاعدة ضد “المقاومة”. إذ بدأ المجتمع الدولي يربط المساعدة المالية بتسوية ملفات حساسة عالقة، ليس أولها ترسيم الحدود مع سوريا، ولن يكون آخرها «تسليم سلاح حزب الله»، وفق ما عبّر عنه مسؤولون دوليون.
غير أن هذا الحصار لم يضبط المعارك بين القوى السياسية بشأن ملفات داخلية كانت ولا تزال محطّ خلاف بينها، وقد انتقل الخلاف إلى مجلس الوزراء الذي شهد أمس ترجمة لتصفية الحسابات السياسية بعناوين تقنية. فعرض وزارة الطاقة في شأن تأمين الكهرباء وإلغاء العجز في مؤسسة كهرباء لبنان (المتضمّن مسوّدة مذكّرة التفاهم مع الشركات الراغبة في إنشاء معامل لإنتاج الكهرباء)، والمُقدّم من الوزير ريمون غجر، لم يعبُر طريقه إلى الإقرار كما كان مقترحاً، بل حُذفت منه الإشارة إلى إنشاء معمل في سلعاتا، بعد انقسام المكونات السياسية المُشاركة في الحكومة إلى فريقَين: التيار الوطني الحر، والآخرون.
بحسب أكثر من مصدر وزاري، فتح العرض الذي قدّمه غجر باب النقاش على مصراعَيه. إذ انطلق من خطة الكهرباء التي تتضمن إنشاء معمل في سلعاتا، ما دفع وزراء حزب الله وحركة أمل والمردة إلى تسجيل اعتراضهم كون هذا المعمل غير ضروري، فضلاً عن «أن قيمة الاستملاكات تصل إلى نصف مليار دولار، فيما البلاد تُعاني من أزمة مالية خطيرة»، معتبرين أن «الأولوية اليوم هي لمعملَيْ دير عمار والزهراني». وفيما استعاد الوزراء الموقف الفرنسي الذي شدّد على إقامة محطتين فقط، قال وزير البيئة والدولة لشؤون التنمية الإدارية دميانوس قطار «إننا لسنا في صدد استملاك أراضٍ جديدة، وما دام هناك محطتان فلنتخذ قراراً بشأنهما».
لكن وزراء التيار الوطني الحر عارضوا موقف الغالبية وأصرّوا على سلعاتا، وخصوصاً بعدما لفت وزير الطاقة إلى «حماسة بعض الشركات لإنشاء معمل في سلعاتا أكثر من المحطتين الأخريين»، فيما طالب وزراء حزب الله «بترك المجال أمام ما يُمكن أن تقدمه دول أخرى، ولا سيما الصين التي تبدي رغبة واستعداداً لتمويل إنشاء معامل للكهرباء». وبينما رفض الوزراء، باستثناء التيار الوطني، إدراج سلعاتا بالاسم، طرح رئيس الحكومة فكرة إقرار معمل الزهراني واستكمال الخطة في ما بعد إذا كانت هناك من حاجة لذلك، فاقترح وزير الطاقة إحالة الملف على التصويت، عندها أسقط ذكر معمل سلعاتا من مذكرة التفاهم بمعارضة معظم الوزراء، ما عدا العونيين.
شهدت الجلسة خلافاً بين وزيري الاقتصاد والثقافة بشأن أموال «سيدر»
ولم يكُن ملف الكهرباء هو الوحيد الذي خلّف توتراً في الجلسة. فخلال التطرّق إلى ملف «سيدر»، وبعد شرح مفصّل للخطة وتوزيع الأموال من قبل فريق مُختصّ، اعترض وزير الاقتصاد راوول نعمة بحجة أنه «غير مُطّلع على الملف ولم يستشره أحد»، فحمَل حقيبته وخرج من الجلسة، ثمّ عاد واحتجّ على «تخصيص ٢٦٢ مليون دولار لوزارة الثقافة»، طالباً من الوزيرين عماد حب الله وعباس مرتضى عقد اجتماع نهاية الأسبوع لمناقشة «سيدر». إلا أن مرتضى رفض لارتباطه بمواعيد مُسبقة، متسائلاً عن «سبب تدخل وزارة الاقتصاد في هذا الأمر»، ومستغرباً طلب عقد الاجتماع، بينما هذا الأمر مرتبط بالحكومة مجتمعة وهي من لها الحق في مناقشته.
وفي ما يتعلّق بموضوع التهريب على الحدود، أعلنت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد بعد انتهاء الجلسة أن الحكومة قررت «مصادرة المواد التي يتم إدخالها أو إخراجها بصورة غير شرعية من لبنان لمصلحة الجيش، كما ستتم مصادرة السيارات أو الآليات المُستخدمة، مع الإشارة الى أن القرار يصدر بموجب مرسوم من دون حاجة الى تعديل قانوني».