أطنب الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في إطلالته الأخيرة، بالحديث عن ضرورة عودة العلاقات السورية اللبنانية إلى طبيعتها، معتبرا أنها المعبر الأساسي لخروج لبنان من المأزق الاقتصادي القابع فيه.
وحملت كلمة نصرالله التي جاءت بمناسبة إحياء الذكرى الرابعة لاغتيال القيادي العسكري البارز في الحزب مصطفى بدرالدين في العام 2016، نبرة آمرة لحكومة حسان دياب للمضي قدما في مشروع تطبيع كامل وعلني مع نظام الرئيس بشار الأسد.
وعزت أوساط سياسية لبنانية نبرة نصرالله العالية وتشديده على ضرورة عودة العلاقات مع سوريا إلى حالة الارتباك التي يعيشها لاسيما مع بروز جهد غربي روسي مشترك لقطع طريق “طهران – بيروت” من الجانب السوري الأمر الذي من شأنه أن يزيد من التعقيدات على الحزب، مع تصاعد المطالبات في الداخل والخارج بضرورة إنهاء الفلتان على الحدود السورية اللبنانية، وإغلاق المعابر غير الشرعية ولم لا الذهاب في خيار نشر قوات أممية في المنطقة.
وهاجم نصرالله في خطابه المتحفظين على تطبيع علني وتام بين سوريا ولبنان قائلا “إن الذين يؤخّرون النقاش في ترتيب علاقات مع سوريا، لأنهم يعيشون وهم سقوط النظام وتغيّر القيادة، يضيّعون الوقت على لبنان لا على سوريا”.
حزب الله يخشى أن يجد نفسه محاصرا في الداخل ويحاول أن يلتف على ذلك من خلال عودة العلاقات بين بيروت ودمشق
واعتبر نصرالله أن “الهمّ المعيشي والاقتصادي هو الذي يسيطر على اللبنانيين. وعندما يكون البلد يواجه خطر الانهيار الاقتصادي والمجاعة، يجب إعادة النظر في الكثير من الضوابط. ومن هذا المنطلق، وبالرغم من أن رأي الحزب بطلب مساعدة صندوق النقد معروف، إلا أنه لم يشأ أن يعقّد الأمور على البلد، وسينتظر ماذا يحصل مع الصندوق”.
وبدأ لبنان هذا الأسبوع في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي على أمل الحصول على دعم مالي لانتشاله من أزماته، ولحزب الله تحفظات كثيرة على طرق أبواب الصندوق في ظل مخاوف من أن يفرض الأخير شروطا تهدد سطوته على لبنان.
وقال الأمين العام لحزب الله “إذا كانت الحكومة اللبنانية تفكر كيف تطرق أبواب العالم للبحث عن المساعدات، فمن من الدول ستقدم هذه المساعدات؟ أميركا التي تسعى إلى الاستدانة لكي لا ينهار اقتصادها أم أوروبا أم الدول العربية، التي حتى الغنية منها اتخذت إجراءات تقشفية لم يسبق لها مثيل؟”.
ويرى نصرالله باختصار “أنه يجب ألا نعيش على أمل هذه المساعدات. الجهد في الداخل هو المطلوب. يجب أن نحيي القطاعين الزراعي والصناعي. لدينا طاقات بشرية هائلة. لكن النجاح مرهون بتأمين الأسواق، والطريق الحصري لهذه الأسواق هي سوريا. العراق يتجه إلى المزيد من الاستقرار، وفرص التصدير إليه كبيرة، وسوريا هي بوابته. فمن يريد أن يعالج يحتاج إلى ترتيب العلاقة مع سوريا”.
وشكك نصرالله في إمكانية نجاح خطط غلق المعابر غير الشرعية بين البلدين قائلا “هذه مشكلة تاريخية لا يمكن للبنان وحده حلها. في كل دول العالم، عندما يكون هنالك تهريب بين بلدين، يتعاونان لمكافحته. وهنا لا يمكن تحميل المسؤولية للجيش. هذه أكبر من طاقته، وهو حتى لو انتشر على كل الحدود لا يمكنه منع التهريب لأن الحدود متداخلة والقرى متداخلة”.
أمام أوضاع سياسية واقتصادية معقدة
ورفض الدعوات إلى الاستعانة بالأمم المتحدة لمعالجة الموضوع، “فهذه القوات لم تحم لبنان من الخروقات الجوية والبرية، أو منعت أو ستمنع أي عدوان إسرائيلي على لبنان؟ ثم أي دول سترسل قوات إلى لبنان في الوضع الراهن؟”. وذكّر بأن الحديث عن نشر قوات دولية بين لبنان وسوريا كان أحد أهداف حرب 2006 كما كانت أحد شروط وقف الحرب على لبنان.
وتزامنت كلمة نصرالله مع اجتماع لمجلس الدفاع الأعلى أشرف عليه الرئيس ميشال عون وانتهى بضرورة وضع حد لعمليات التهريب وإغلاق المعابر غير الشرعية، على وقع تواتر فضائح تهريب مواد أساسية إلى الداخل السوري مثل المازوت والطحين، ما يزيد من استنزاف خزينة الدولة من العملة الصعبة لاسيما وأن تلك المواد مدعمة من قبل مصرف لبنان المركزي.
وتقول الأوساط السياسية اللبنانية إن قرار مجلس الدفاع غير بعيد عن الأجواء الدولية التي تربط مساعدة لبنان في أزمته بالاستجابة لجملة من الإصلاحات الاقتصادية وأيضا السياسية والأمنية في علاقة بنزع سلاح حزب الله، وإغلاق المعابر غير الشرعية التي إلى جانب إضرارها بالاقتصاد اللبناني فهي تعد إحدى الطرق الرئيسية لتعزيز الترسانة العسكرية لحزب الله.
ويخشى حزب الله من أن يجد نفسه محاصرا في الداخل اللبناني ومن هنا يحاول أن يلتف على ذلك من خلال عودة كاملة للعلاقات بين بيروت التي يتحكم بالقرار فيها ودمشق، وتقول الأوساط السياسية إن الحزب يجد في هذا الخيار متنفسا له، وليس للبنان كما يحاول أن يسوق زعيمه.
ولا تستبعد الأوساط أن تقدم الحكومة على إيفاد وزير الخارجية أو أن يقوم رئيس الوزراء حسان دياب بنفسه بزيارة إلى دمشق قريبا لإعلان عودة طبيعية للعلاقات بين الطرفين، بغض النظر عن مواقف القوى السياسية وجزء كبير من الشارع اللبناني الرافض لهذه الخطوة، التي ستكون لها تداعيات سلبية على لبنان لاسيما وأنه يمر بفترة أقل ما يقال عنها إنها حرجة بفعل الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منهما.
وأكد الأمين العام لحزب الله أن “سوريا هي حاجة لبنانية بكل معنى الكلمة”. ودعا إلى المسارعة في التعاون معها، مؤكدا أنها “جاهزة لهذا التعاون. والشعب اللبناني يجب أن يعرف أن هذا أحد الحلول التي يمكن أن تتحقق. وهذا أمر لا يحتاج إلى الوقت. خلال سنة، يمكن تحقيق نهضة في الإنتاج، فنحن أمام معركة مصيرية”.
وسعى نصرالله إلى طمأنة مقاتليه في سوريا كما البيئة الداعمة لمحوره بأن داعمته “إيران لا تقود معركة نفوذ في سوريا لا مع روسيا ولا مع غيرها”، في ظل تسريبات تتحدث عن اتفاق روسي أميركي لدفع طهران وميليشياتها للانسحاب من هذا البلد.