كتبت مارلين وهبة في صحيفة “الجمهورية”:
في الوقت الذي دعا فيه رئيس الجمهورية اللبنانيين إلى تكريس يوم الرابع عشر من أيار يوم صلاة موحّدة بين اللبنانيين، بعد أن «أثخنتهم جراح الانقسامات»، وكي لا تقضي مشاريع التفرقة على الوطن، دعا الجميع للإستفادة من يوم التعبئة للتأمّل والصلاة على نيّة لبنان ووحدته، وتكريس مبادئ الأخوّة والاعتناء بتنوّعه، كي يستحق أن يكون وطنهم وطن الرسالة.
الرئيس عون، الذي ارتأى أن يكون يوم الرابع عشر من ايار إنطلاقة جديدة لنبذ مسببات التفرقة، لا يبدو انّ نداءه لقي آذاناً صاغية، اذ انّه لم يلق صدىً عند العديد من الفرقاء السياسيين، وربما أبرزهم حلفاء الرئيس وحتى أقرب أقربائه.
الجولة الصباحية للرابع عشر من ايار بدت نارية، بدأت بسلسلة من المواقف السياسية التصعيدية لأكثر من طرف، مصوّبة باتجاه العهد وصهر العهد، ومصوّبة على سياسة الحكومة وهيمنة «حزب الله». فطالب البعض بالشروع بالمحاسبة ومكافحة التهريب، ومنهم من طالب بالثورة الفورية، وآخرون بالانتخابات النيابية المبكرة.
«القوات»: إمارة في البترون!
افتتح التصعيد في يوم الرابع عشر من أيار النائب فادي سعد من كتلة «الجمهورية القوية»، الذي استكمل الجردة «القواتية»، بعدما سبقه اليها أمس الاول النائب زياد حواط. فسأل سعد، ما إذا كان الوزير باسيل يهدف إلى إنشاء إمارة في البترون، بعد الإشكال المسائي الذي وقع مساء أمس الاول بين عناصر حماية تابعين للتيار الوطني الحر ومناصرين لحزب «القوات اللبنانية»، بعدما نال هؤلاء نصيبهم من قِبل فرقة مدججة بالسلاح والآليات العسكرية، يُقال انّها عناصر حماية تابعة للتيار الوطني الحر في البترون.
وفي الوقائع، انّ مجموعة من هذه العناصر اقتادت شباباً من انصار «القوات» إلى مركز للتيار في البترون، وتمّ الاعتداء عليهم بالضرب، الّا انّه وبعد اتصالات اجراها النائب سعد بالأجهزة الأمنية تمّ توقيف المعتدين والادّعاء عليهم من قِبل المتضررين.
أما سبب الاعتداء وفق المعلومات، انّ اربعة شبان من مناصري «القوات» عمدوا الى القيام بجولات استفزازية بالقرب من مركز التيار ذهاباً وإياباً بسيارتهم، مطلقين الأغاني الثورية القواتية، مما استفز عناصر التيار الوطني، فلجأوا إلى توقيفهم واقتادوهم الى مركز التيار لتلقينهم درساً… الأمر الذي اعتبره سعد منافياً للقانون، متسائلاً إذا كان هدف الوزير باسيل إنشاء إمارة أمنية في البترون تقليداً لحلفائه؟
وتساءل، إذا كانت عناصر الحماية التابعة للوزير باسيل وللتيار الوطني الحر، والمولجة بحماية الأمن في منطقة البترون، تعتبر نفسها تمثل القانون في البلد؟ معتبراً الطريقة الميليشياوية التي تمّ فيها خطف الشبان تذكّر بتصرفات الدولة الأمنية البوليسية. وشكر سعد في المقابل الأجهزة الأمنية التي تجاوبت مع مطلبه، بضرورة توقيف الفاعلين بعدما تمّ توقيف اثنين منهم، مشيراً الى أنّ خطوة الأجهزة الأمنية إشارة تبعث على الأمل «بالرغم من علمنا من أنّ اغلبية قادة الأجهزة الأمنية في البترون والجوار تمّ تعيينهم من قِبل باسيل».
مصادر «التيار»
مصادر «التيار» علّقت على الحادثة بالقول: «من له معنا فليذهب إلى القضاء، ومن يتهمنا بإنشاء إمارة فليشتكِ الى القضاء». مضيفة: «أما قالوا بأنفسهم أنّ الأجهزة الأمنية في البترون أظهرت انّه ما زال هناك بارقة أمل؟ فكيف يُتّهم باسيل بأنّه من عيّن اجهزتها الامنية وهي تابعة له، وقد تجاوبت تلك الاجهزة معهم وأوقفت المعتدين وهم من عناصر التيار وطبقت القانون»؟
واضافت المصادر: «كفى ذرّ الرماد في العيون وخداع العالم والهوبرة. فلسنا نحن من أنشأنا الإمارات، ولسنا نحن من كان لنا تاريخ ميليشيوي، ولسنا من أنشأ الحواجز ومن وقفنا على مجرى الأنهر».
الجولة الصباحية
استمرت الجولة الصباحية تصعيدية، مع المؤتمر الصحفي للنائب شامل روكز، الذي دعا إلى التمرّد، متوعّداً من «أنّ الثورة الشعبية عائدة وهي قريبة، وأن يوم العنفوان قريب»، كاشفاً بوضوح اشتداد حالة الانقسام بينه وبين رئيس التيار الوطني الحر وتنصّله كليّاً من الكتلة التي انضمّ إليها بعد الانتخابات النيابية.
فيما المح روكز إلى احتمال قيام حركة إعتراضية جامعة للمعترضين داخل كتلهم، لكنه لم يحدّد نوعها، شكلها وتوقيتها.
الردّ جاء سريعاً بكلمتين من أوساط التيار الوطني الحر، فعلّقت على مؤتمر روكز بالقول: «الدنيا فِعل وليست كلاماً». كذلك جاءت الردود من بعض انصار التيار الوطني الحر على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين اعتبروا أنّ روكز يطعن بضهر من أوصله إلى النيابة والمنبر.
الحملة على باسيل لم تتوقف صباحاً بل استُؤنفت عصراً من قِبل رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل، الذي استكمل الجولة التصعيدية بتوجيه سيل من الاتهامات على الطبقة السياسية الحاكمة مجتمعة، معتبراً انهّا «كارتيل» تشمل الجميع، بمن فيهم من سارع أخيراً الى عقد موتمرات صحفية للكشف عن مزاريب الهدر وفضائح الفساد. ومتسائلاً، لماذا لم يعقدوا قبلاً المؤتمرات، ولماذا شاركوا في الحكم، ولماذا يتكلمون اليوم؟ وقصد بهم المردة، القوات الللبنانية وحتى حلفاء العهد.
«الحزب» وباسيل
الّا انّ الفريقين الأساسيين المعنيين لم يتكلما حتى الساعة، والأبرز، هو المتهم الأول بالتهريب عبر المعابر غير الحدودية، أي «حزب الله»، الذي أعلن أمينه العام حسن نصرالله خلال إطلالته الإعلامية الأخيرة التي دامت ساعة وعشرين دقيقة، بأنّه لن يرضى بإقفال المعابر. معتبراً اقفالها يستهدف المقاومة، وهو مطلب أميركي قديم. وأشار نصرالله الى انّ التطبيع مع سوريا هو الحل الوحيد للدولة اللبنانيه للقيام من أزمتها الاقتصادية. والحل هو بتكليف الجيشين السوري واللبناني بتنظيم المعابر الحدودية.
اللافت في كلمة نصرالله، أنّها تناولت الوضع السوري الداخلي في الجزء الاكبر منها، أي قرابة ساعة من الوقت، فيما تناول في الـ 20 دقيقة المتبقية أهمية وضرورة تنسيق العلاقات السورية- اللبنانية في المرحلة الراهنة، دون الإشارة إلى مواضيع الفساد الداخلية اللبنانية، ولا إلى الخطة الاقتصادية، ولا إلى فضيحة الفساد في بواخر الفيول. كما لم يُشر نصرالله بإصبعه إلى أي من المتهمين من حلفائه في فريق الثامن من آذار، بعدما اشتدّ الخلاف والصراع في ما بينهم! ليتساءل المراقبون عن مدى عمق الأزمة التي بدأت تعمّق الشرخ بين أركان فريق الثامن من آذار، والتي آثر «السيّد» كما يبدو، الصمت والمراقبة في مواكبتها الى حين جلاء الصورة وتحديد موعد الحسم.
اما رئيس التيار الوطني الحر، المُستهدف من كل حدب وصوب والذي «يُغتال سياسياً» وفق تعبير رئيس البلاد، وهو المعني الأساسي بكل ما ذُكر، فهو أيضاً يترقّب ويتابع ويحلّل من فوق من اللقلوق، مُسرِّباً من خلال أوساطه بأنّ الردّ سيكون جامعاً في نهاية الأسبوع، بعد أن يُفرغ الجميع ما في جعبتهم.
وعليه، فإنّ يوم الأحد المقبل لن يكون يوماً جامعاً للصلاة ولا للإعتراف بالذنوب والصلاة من أجل الوحدة، كما تمنّى رئيس البلاد، بل سيكون يوم الهجوم وربما الادّعاء.