Site icon IMLebanon

مهرّب يكشف أسرار التهريب من لبنان إلى سوريا

كتب أسامة القادري في صحيفة “نداء الوطن”:

“لا تدب دابة في الأرض” على طول الحدود اللبنانية السورية الشرعية وغير الشرعية الا بعلم قوى الأمر الواقع، ليس تكهناً ولا اتهاماً بل اعترافاً من المهربين أنفسهم، ولأن أيضاً ومن غير المنطقي أن تجري عمليات التهريب بآليات ضخمة وأعداد تصل الى 60 صهريجاً يومياً يحمل الواحد منها أقله 30 ألف ليتر، ومنها ما تصل حمولته الى 60 ألف ليتر من دون أن تدري بها جهة حزبية مسيطرة.

وتعمل على خط التهريب 80 شاحنة بين بيك آب وشاحنة نقل خارجي تذهب بالقمح والطحين وتأتي من سوريا بالخضار والبيض وبعض المواد الغذائية السورية، بحماية وعلم من النظام السوري وأجهزته الامنية والعسكرية كافة. في المقابل وعلى الرغم من الترويج أن تداخل البلدات بين سوريا ولبنان يشكّل عبئاً على عملية اقفال المعابر، تؤكد المعلومات أن الجيش اللبناني لن تعيقه أي أوضاع جغرافية على الأراضي اللبناني في تنفيذ مهامه بإغلاق المعابر غير الشرعية أو غيرها.

هذا الملف تحوّل إلى احدى ادوات الضغط لفتح قنوات الحوار وإعادة صيغة تلازم المسارين، خصوصاً بعد خطاب الامين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله وتطرقه لملف التهريب وضرورة التعاون اللبناني – السوري.

وفي أوج صراع اللبنانيين مع الفساد ونهب المال العام عاد ملف التهريب إلى واجهة الاحداث اليومية وكيفية بناء الدولة.

فلا يختلف اثنان على أن تهريب المواد المدعومة من لبنان الى سوريا هو أحد أكثر اوجه مزاريب الفساد وسرقة هيبة الدولة والمال العام. وليس جديداً على مسامع اللبنانيين الحديث عن تهريب المازوت بكميات ضخمة، لكنه توسّع أكثر بالتوازي مع سيطرة “حزب الله” على قرار الحكومات اللبنانية، ونظّمها في العام 2012 مع بدء انتقال الثورة السورية من سلمية إلى “عسكرية”.

وأثناء ولاية حكومة الرئيس نجيب ميقاتي كانت ارتال الصهاريج تنتقل يومياً بمؤازرة عسكرية، الغالبية منها عناصر حماية حزبية، تدخل سوريا “المحظورة دولياً”، ويومها تصاعدت وتيرة الاحتجاجات على طول خط شتورا المصنع رفضاً لدعم النظام بالمازوت تحت شعار “صهاريج الموت”، وعلى اثرها تم اعتقال العشرات من الناشطين اللبنانيين الذين رفضوا انتقال الصهاريج الى سوريا واستعمالها من قبل نظام الاسد بآلياته العسكرية لقتل شعب انتفض على الديكتاتورية.

التهريب برعاية حزبية

في جلسات “العكيد”، كما يسميه زملاؤه المهربون (أحد العاملين في التهريب بين سوريا ولبنان)، في منطقتي البقاع الاوسط والغربي يسرد تحامله على الجهة الحزبية التي تغطي عمليات التهريب، لأنها قطعت ارزاقهم وتضارب عليهم بأسعار لا تصل الى الكلفة، “حتى اصبحنا نشحذ العمل عند أزلام هذه الجهة الحزبية بأقل الاثمان حفاظاً منا على البقاء”. ليتابع بتأفف: “الشغلة مش موقّفة على المازوت والطحين والقمح، كمان تهريب الاشخاص، انهم ينقلونهم في سياراتهم ويعبرون الحدود الرسمية من دون ان يفتح زجاج السيارة، حتى في هذه الفترة، العمليات مستمرة فيما من المفترض ان الحدود مقفلة بسبب كورونا، فالتهريب على عينك يا دولة”، يبستم بعدما وصفنا كلامه بالمبالغ فيه، فيرد: “مجرد ان تقف عند نقطة المصنع نهاراً وليلاً ترى بأم العين سيارات حزبية تعبر من دون ان تتوقف عند الامن العام والجمارك”.

ويوضح: “خط التهريب بين لبنان وسوريا عبارة عن أكثر من 130 معبراً، على طول الحدود البالغ 310 كلم، 100 كلم شمالاً و210 كلم شرقاً (بحال استثنيت مزارع شبعا البالغ طولها 65 كلم) ما يفرض صعوبة ضبطها”.

يؤكد مصدر أمني أن “أكثر من 30 صهريج مازوت سعة كل واحد 30 ألف ليتر من التي اوقفت في ضهر البيدر منذ ثلاثة ايام، عادت وسهّلت قوى حزبية مسلّحة تنقلها، وعبرت الشاحنات بعد منتصف ليل أول امس تباعاً، عبر معبر المصنع من مخرج باحة الجمارك الواقعة عند الجهة الشمالية لمعبر المصنع، رافقت هذه الصهاريج سيارات داكنة معروفة انها سيارات حزبية، والمعروف ان هذه الباحة تشرف عليها الاجهزة الامنية”.

وأكد المصدر ان “عبر هذه الباحة يتم عبور الصهاريج الى سوريا في شكل يومي، وبعد منتصف الليل، حيث تتجمع الصهاريج والشاحنات المتجهة الى دمشق خلف مبنى الجمارك في شتورا وتنتقل تباعاً اثنتين اثنتين كي لا تثير الانتباه على الطريق”.

معابر التهريب ارضاءً للعشائر

وفي الاطار نفسه، يكشف ابو أيهم لـ”نداء الوطن”، وهو عامل على خط التهريب أن “أكثر المعابر نشاطاً اليوم هي الواقعة في المناطق الحدودية، فمثلاً بلدتا حوش السيد علي ومراح الشعب في الهرمل، اضافة الى مسالك استحدثها أحد الأحزاب في جنتا، تفوق الـ 16 معبراً تستخدم فيها الجهة الحزبية ابناء العشائر في هذه المنطقة، لتغطي العمل بطابع عشائري”، وقال: “المنتجات الزراعية التي تدخل الى الاراضي اللبناني غالبيتها انتاج الأراضي السورية المتاخمة للحدود اللبنانية والتي يستثمرها الحزب بالزراعة. ومن هذه المنطقة يتم عبور صهاريج المازوت والشاحنات”.

ولفت الى أن “غالبية المعابر مسماة باسماء تدل عن تبعتها للعشائر في منطقة الهرمل”. وعدد أبو أيهم أسماء المعابر من الهرمل وصولاً الى دير العشائر جنوباً: “معبر حوش السيد علي، العويشات – القصر – حنيدر – هيت – الحج عيسى – البويت – الكنسية- قرحة – معابر حاويك – مرطبية – المراني- حرف السماقة – مراح الشعب – المشرفة- معابر الطفيل – حام – معابر معربون – يحفوفا – جنتا – معابر كفر زياد – شمسينة – عنجر – ابش – معابر جبل الصويري – بركة الرصاص – معابر دير العشاير – السكري – الضاهري – معبرا الصفصاف – أم اسماعيل – أم علي عيشا – العبدالله – معابر جبل أكروم – بلدة حلواس – النبي بري – عين الزرقا – معابر فليطا – مجدل عنجر… وغيرها الكثير.

من الجانب السوري

يردف أبو أيهم أن “العاملين من الجانب السوري في مجال التهريب أكثرهم من جماعة ماهر الاسد و”حزب الله” في لبنان، وأكثر من 70% من هذه المعابر تستخدم لتهريب المازوت والبضائع، فيما معبر المصنع من جهتيه الشمالية الشرقية في خراج مجدل عنجر والجنوبية الشرقية في خراج بلدة الصويرة يُستخدم لتهريب الاشخاص بالاتجاهين وعلى عين الدولة، فيما لا يخلو المعبر الرسمي ليكون خطاً عسكرياً تحت عنوان المقاومة”.

يقول أبو أيهم لـ”نداء الوطن”، ان “المهربين الاساسيين الذين يعتمد عليهم أحد الأحزاب في تهريب المازوت هم أشخاص نافذون في عشائرهم، واحد من آل جعفر وآخر من آل زعيتر وثالث من آل الجمّال ورابع من آل عثمان في الشمال”. وقال ان “الاتفاق مع سائقي الصهاريج يكون باعطائه ألف دولار عن كل صهريج ككلفة النقل، شرط ان يؤمن المهَرِّبون الطريق ووصول الصهاريج ذهاباً واياباً، من دون غرامات او ضبط مخالفات تصل الى حجز الآليات ومن دون ان يتم تكسير هذه الصهاريج من قبل الاهالي كما حصل في العام 2013، ويتم ذلك عبر استغلال النفوذ الحزبي على السلطات، أما في سوريا فمن خلال تأمين مسار هذه الصهاريج في الداخل السوري من قبل جماعة رسمية”، ويؤكد أبو أيهم أن “المدير الأساسي لهذه الشبكات داخل سوريا هو ضابط في المخابرات ومعروف لدى المهربين”.

تهريب باسم “علف للخيول”

وقال أبو أيهم: “عدد الصهاريج العاملة بين لبنان وسوريا يومياً يصل الى 70 صهريجاً وثمانين شاحنة بين بيك آب وشاحنة نقل خارجي”، لافتاً إلى أن “التهريب لا يشمل فقط المازوت، بل يتم نقل شاحنات القمح من المطاحن، ويتم شراؤها على اساس انها علف للخيول، فيما هي قمح مدعوم يُسلم الى المطاحن، فيتم تجميعها ونقلها الى سوريا بكميات كبيرة، ما يؤدي إلى تراجع المخزون المدعوم لبنانياً، فضلاً عن تهريب الطحين”.

وأشار إلى أن “الشاحنات والبيك آب، تعود أحياناً ممتلئة بالبيض وتصل الكمية المحمّلة إلى أكثر من 500 صندوق بيض ولحوم دجاج، ومنتجات زراعية كما يتم تهريب الخضار على أنواعها والاجبان والالبان”.

ويؤكد مصدر امني أن تعدد المعابر على الحدود يزيد من صعوبة ضبطها، إلا أن القوى الأمنية وخصوصاً الجيش لن يترك فرصة إلا ويكافح فيها العمليات غير الشرعية، ويذكّر بان “فوج الحدود البري في الجيش اللبناني يواصل عمليات اقفال المعابر كونه ينتشر على السلسلة الشرقية، لكنه يحتاج إلى اكثر من 3 الى 4 آلاف عنصر على الحدود اللبنانية من جهة الهرمل” ويبقى اقفال كامل المعابر بحاجة إلى قرار سياسي تشترك فيه قوى الأمر الواقع التي تشكل قوّة حماية المهربين.