اثر جدال لم يخل من التوتر دفع برئيس الحكومة حسان دياب الى اللجوء الى التصويت لحسمه، تمكّن مجلس الوزراء امس من الاتفاق “شكليا” على كيفية المضي قدما في خطته الكهربائية… التيار الوطني الحر ممثّلا بوزرائه وعلى رأسهم وزير الطاقة ريمون غجر، طالبوا بضمّ سلعاتا الى المعامل التي ستُعرض للبناء (الى جانب معملي دير عمار والزهراني)، على الراغبة من الشركات الأجنبية، بينما تصدّى له ولكلفة انشائه الباهظة، وزراءُ امل وحزب الله والطاشناق والمردة. فسقط المطلب البرتقالي، وكانت التوليفة الآتية للقرار: وافق مجلس الوزراء على طلب وزارة الطاقة والمياه لناحية التفاوض على التفاهمات مع الشركات المهتمة استناداً الى مذكرة التفاهم المُعدّة من قبل الوزارة بعد إدخال بعض التعديلات عليها، ورفع تقرير بالنتيجة الى مجلس الوزراء كي يُصار الى تطبيق الخطة بدءاً من الزهراني واستكمالاً لها بحسب الحاجة، ثم جرى استبدال كلمة “الحاجة” بكلمة الخطة.
بحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”، فإن الحكومة حاولت تقديم إنجاز الى الرأيين العامين اللبناني والدولي في ملف الكهرباء، سيما وانه اكبر مزراب للهدر واهم مسببي العجز في الخزينة منذ عقود، تماما كما فعلت في قرارها “المتأخّر” محاربة التهريب عبر الحدود، وذلك على وقع انطلاق مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي حول الخطة الرسمية للتعافي الاقتصادي…الا ان ما رافق “استفاقتها” الكهربائية أمس، من حيث الشكل والمضمون، شكّل في حد ذاته نقطة سوداء في سجلّ الحكومة التي كانت تسعى في الواقع الى “تلميع” صفحتها! فمجلس الوزراء ظهر من جديد مُسيسا حتى العظم حيث لا تكنوقراط ولا مستقلون و”لا من يحزنون”! كما انه بدا مرة اضافية، منقسما على ذاته، فلا رؤى موحّدة لكيفية انقاذ قطاع بحجم قطاع الكهرباء ولا خريطة طريق مشتركة واضحة، في تخبّط شبيه بذلك الذي لفّ مقاربتها لملف التعيينات المالية ومشروعي الهيركات والكابيتال كونترول. اما الاخطر، تضيف المصادر، فهو الذهنية التي يقارب فيها بعض القوى الملف الكهربائي. فرغم الارقام الكارثية التي تسبب بها التعاطي “المحاصصتي” مع القطاع، حيث الخسائر بالملايين والتغذية صفر، أظهرت مداولات السراي امس، ان هذه العقلية لم تتغير. فالممسكون بالوزارة منذ سنوات، بحسب المصادر، لا يزالون ينظرون الى “الكهرباء”، من زاوية حزبية فئوية مناطقية مذهبية ضيقة، وفق معادلة “الستة وستة مكرر”، التي وللمفارقة، بقّ البحصة شاكيا منها تباعا، كلٌّ من الرئيس سعد الحريري غداة استقالة حكومته (في اعقاب ثورة تشرين) ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، منذ يومين.
كل ذلك يحصل فيما الحكومة لم تتخذ بعد قرارا بتعيين هيئة ناظمة او مجلس ادارة للقطاع.. صحيح ان النقاشات الوزارية تحصل خلف ابواب موصدة، وصحيح ان الحكومة ورئيسها يحرصان على الاضاءة فقط على الوجه الجميل من عمل مجلس الوزراء، الا ان “الشمس شارقة” (وبشكل حارق اليوم!) والناس في الداخل والخارج “قاشعة” النوايا الفعليةَ لاحزاب السلطة، او بعضها. على اي حال، تبقى العبرة في تنفيذ الدولة ما تروّج له من إنجازات. فعليها، وعلى اصلاحاتها، ستبني الدولُ المانحة وصندوق النقد، قرارَها مساعدة بيروت ماليا، او حجب دعمها عنها. وأموال سيدر المحجورة والمحجوزة منذ سنوات، خير دليل…