Site icon IMLebanon

“جمعية المصارف” نحو مقاضاة الدولة إذا لم تسدد لها ديونها؟

تترقب الأوساط السياسية والدبلوماسية ما يمكن ان تؤول اليه الجولة الجديدة من المفاوضات التي ستستانف الإثنين المقبل بين وفدي صندوق النقد الدولي والحكومة اللبنانية في محاولة لتحسين الصورة اللبنانية في مواجهة مطالب الصندوق ومقتضيات التوصل الى الإذن الذي سيعطيه الى الدول والمؤسسات المانحة لاستعادة الثقة بلبنان واقتصاده وتقديم العون الفوري له بما يسمح مشاركة لبنان وحصته من اموال الصندوق فهو عضو فيه منذ إنشائه.

ومن هذه المنطلقات بالذات تتوقف هذه الأوساط امام امرين اساسيين الأول في الشكل والثاني في المضمون.

– على مستوى الشكل، من المتوقع ان تطرأ تغييرات اساسية على تركيبة وشكل الوفد اللبناني اذ ينضم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى المشاركة في هذه المفاوضات بعد مقاطعة للجولة الأولى التي انطلقت بين الوفدين فتمثلت الحكومة بوزير المال غازي وزنة ومجموعة مستشاريه ومستشاري رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والفريق السداسي الذي مثل مصرف لبنان من مختلف رؤساء الوحدات المتخصصة.

– اما في المضمون فستختلف الصورة بشكل ايجابي واساسي، فدخول حاكم البنك المركزي مباشرة على الخط يهدف الى رفع مستوى التمثيل اللبناني ويعطي المزيد من الضمانات التي يطالب بها الصندوق لجهة الحصول على الارقام التي تحدد الخسائر الفعلية على مستوى الخزينة العامة ومصارف لبنان ومجموعة المصارف التجارية ان كان بالعملة الوطنية او بالعملات الأجنبية بما فيها مستحقات سندات اليوروبندز التي تمتلكها المصارف ومصرف لبنان والشركات المالية الدولية. ففي آخر مراحل المفاوضات تحفظ وفد مصرف لبنان على التقارير المالية للوزراة وتقديراتها للخسائر التي قيل انها لحقت بمصرف لبنان ووعد بارقام جديدة وموثقة.

وعند الدخول في المزيد من التفاصيل فقد اشارت مصادر مالية ونقدية لـ”المركزية” الى ان الخلاف في الأرقام بين مصرف لبنان ووزارة المالية والجهاز الحكومي ليس جديدا. فقد سبق ان أجرت الحكومة قراءة اولية للخسائر على اساس ان الدولار الأميركي يساوي 1517 ليرة قبل ان تجرى حسابات أخرى بدولار الـ 3500 ليرة وهو ما يقود الى ارقام مغايرة عند احتساب الديون المحلية بالدولار الاميركي بحيث سجلت الفروقات بضعة عشرات من المليارات.

لا تقف الأسباب عند هذه المعطيات فحسب بل هي لأسباب الأخرى في الفروقات عندما يرفض مصرف لبنان ان تحتسب خسائره من الدين العام الحكومي ولدى اي جهات أخرى وكأنها هالكة لا يمكن استعادتها. فالاتفاق لم يجر على اساس الغاء الدين العائد للدولة والمتأتي عن السلف المالية التي استحوذت عليها مؤسسة كهرباء لبنان وغيرها من القطاعات الحيوية والخدماتية والمؤسسات العامة. سواء كان مصدرها من الخزينة العامة او مصرف لبنان او القطاع المصرفي – كما قال تقرير لازارد في قراءته لحجم الديون الصعبة المنال  وقد يستحيل استعادتها – عدا عن الديون المقدمة الى المؤسسات والأشخاص في القطاع الخاص.

فمصرف لبنان لم يبدل رأيه بعد، وهو يرفض ارقام مؤسسة “لازارد” ويشكك في صدقيتها، ويصر على انها ديون مضمونة ويمكن استعادتها ولو بشكل من الأشكال وفي مهل محددة غير بعيدة الآجال. فالشركات والمؤسسات التي نالت قروضا ما زالت قائمة وان بعضا منها يحوي اصولا وممتلكات تفيض عن حجم الدين ومنها التسليفات والديون التي ضخت في القطاع العقاري ولا سيما السكني منه وان التسهيلات التي وفرتها القرارات الحكومية بتعديل المهل وتأجيل بعض الإستحقاقات منها لم تلغ هذه الديون وإن ارجئت عملية السداد بانتظار التفاهم بين المصارف من جهة والمقترضين كل حسب قدرته ووضعه من جهة أخرى وان لحظت بعض التسهيلات فانها لا يمكن ان تقبل بالغائها كاملة واعتبارها هالكة الى الأبد.

والى هذه المعطيات التي عكست صورة سلبية عن حجم استعدادات لبنان الرسمي لخوض المفاوضات مع وفد صندوق النقد الدولي، فهناك جانب آخر لم ينطلق بعد وهو يتصل بكيفية معالجة مسألة تسديد مستحقات سندات “اليوروبوندز”، ولو انطلق الحوار مع الصندوق من دونها. والامر قد يزداد صعوبة اذ يبدو ستنضم المصارف اللبنانية في الشكوى امام المراجع التحكيم الدولية الى جانب المالكين الأجانب، وطريقة تعاطي الحكومة مع المصارف قد تدفعها الى مثل هذا الخيار الصعب ولكنه وارد في اي لحظة ان لم تعدل الحكومة في توصيفها للوضع النقدي ولم تعترف بالعجز الحكومي وبمسؤولية الدولة ممثلة بوزراة المال عن تسديد ديونها للمصرف المركزي ولمصارفهم.

ومن دون التوسع في هذه العناصر فان المفاوضات مع صندوق النقد لا يمكن ان تتجاهل القرارات الحكومية المطلوبة بالحاح والتي على الحكومة تنفيذها، ان لجهة توفير مقومات قيام القضاء المستقل بالدرجة الأولى لمواجهة الفساد اواستعادة الأموال المنهوبة. وتضاف اليها عملية ضبط المعابر مع سوريا ووقف التهريب والتهرب الضريبي، وصعوبتها بسبب تداخل مصالح ابطالها وبعض اركان الحكم وقوى الأمر الواقع. ولا تتجاهل المطالب عملية ترميم قطاع الكهرباء والانطلاق ببناء المعامل ورفع الدعم تدريجا بما يضمن وقف الهدر في هذا القطاع وفي المؤسسات الحكومية الأخرى التي عليها اعادة النظر بهيكلياتها عبر الغاء بعض المؤسسات ودمج أخرى حسب الإختصاص.

وكلها من العناصر التي تقود الى التريث في تحديد مواعيد الحصول على مبالغ الدعم المرجوة لانقاذ الوضع النقدي، وتوفير العملة الصعبة بما يسمح بتحريرها وهي خطة لا يمكن خوضها في ظل الحصار العربي والغربي المضروب على لبنان وسياسته المنحازة لمحور دون آخر، قبل توفير حاجات الأسواق الصناعية والتجارية من العملة الورقية “بنك نوت” قبل خوض غمار تحرير سعر الدولار وافلاته من  معقله في ظل الـسعر الرسمي المحدد بـ 1515 ليرة قبل تحقيق اي عنصر يوفر المنافسة الحقيقية ويوازي بين العرض والطلب على العملات الأجنبية. وهي الطريقة الوحيدة المضمونة من اجل ان تتمكن المراجع النقدية من التحكم باسعارها بالحد الأدنى الذي يوفر ابقاءها ضمن الهوامش التي يمكن أن يتحملها اللبنانيون وهو الأمر الذي يعود بالدرجة الأولى الى اقامة الحكم الرشيد والدولة القوية العادلة والقادرة على ممارسة سيادتها على معابرها ومؤسساتها تمهيدا لاستعادة اللبنانيين ثقتهم بالقطاع المصرفي قبل البحث عن الثقة الإقليمية والدولية.