كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
يتحدّث رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميل وكأنه لم يكن جزءاً من السلطة التي حكمت لبنان منذ العام 2005 إلى 2016، أو كأنه كان خارج نادي هذه الطبقة السياسية، ويُركّز هجومه على من هم في خطّه السياسي مستخدماً الأسلوب الذي استعمله «التيار الوطني الحرّ»، لجذب من هم في الصف المعادي لأحزاب اليمين.
لم يكن حزب «الكتائب» يوماً إلا حزباً سيادياً يدافع عن لبنان في وجه الإحتلالات المتلاحقة تاريخياً، فهو الحزب الذي رفض استمرار رعاية فرنسا، الأم الحنون، وفضّل مخاطر الإستقلال على نعمة الإنتداب، كما انه وقف بقوّة إلى جانب الرئيس كميل شمعون في وجه ثورة 1958، التي كانت تهدف إلى تغيير طبيعة لبنان على رغم أنه لم يكن ضمن تركيبة العهد الشمعوني، في حين كان من أكبر الأحزاب المسيحية التي وقفت في وجه التمدد الفلسطيني وحارب من اجل عدم تحويل لبنان وطناً بديلاً للفلسطينيين. لكن ما يحصل الآن من سياسة يقودها النائب سامي الجميل، وجزء منها مبني على الحقد، تجعل «الكتائب» يخسر الكثير من وجوده والذي بات يضمحل ويتركّز في بكفيا والجوار بعدما كان الحزب الذي لا يُقهر.
وما المؤتمرات الصحافية المتتالية للجميل إلا خير تعبير عن توجيه نيرانه إلى الحليف قبل الخصم، وكأن حزب «الكتائب» لم يكن في السلطة أو المعارضة أو جزءاً لا يتجزأ من تركيبة «14 آذار».
وفي مراجعة للأحداث الماضية، فإن حزب «الكتائب» جلس إلى جانب «حزب الله» و»التيار الوطني الحرّ» في حكومات 2005 برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، وحينها وقعت الفاجعة الكبرى باستشهاد الوزير بيار الجميل، من ثمّ تمثّل بحكومة السنيورة 2008 بوزير السياحة إيلي ماروني، وبعد انتخابات 2009 حصل على حقيبة وزارة الشؤون الإجتماعية للوزير سليم الصايغ، ولم يشارك في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، لكنه عاد بثلاث حقائب هي العمل والإقتصاد والتجارة والإعلام في حكومة الرئيس تمام سلام، في حين رفضت «القوات اللبنانية» المشاركة في تلك الحكومة التي شهدت على أزمة النفايات، ونال حزب «الكتائب» حصّة «القوات»، فيما فشلت المفاوضات في أول حكومة بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، حيث طالب حزب «الكتائب» بحقيبة الصناعة، لكنه عُرض عليه وزارة دولة فرفض المشاركة اعتراضاً على حصته وليس على شيء آخر.
ومن يُراجع تفاصيل مرحلة الفراغ الرئاسي يدرك أنه بعد حصر الترشيحات الرئاسية بالزعماء الموارنة الأربعة في بكركي، باشر «الكتائب» الحوار مع «حزب الله»، وقد أعلن النائب إيلي ماروني في مقابلة مع الزميلة نيكول الحجل خلال برنامجها «كواليس الأحد» الذي كان يُبث عبر «صوت لبنان – الأشرفية»، أن الحوار مع «حزب الله» يُسجل نجاحاً وقد أبلغنا «الحزب» أن لا «فيتو» منه على ترشيح الرئيس أمين الجميل إلى رئاسة الجمهورية، في حين أنه جرت محاولات عدّة لفتح قنوات حوار وتواصل مع «التيار الوطني الحرّ». ويشهد حزب «الكتائب» خلال قيادة سامي الجميل بعضاً من الضياع، فالحزب الذي شكّل تاريخياً العمود الفقري لليمين المسيحي وللمقاومة، يراه مناصروه في بيئة ليست ببيئته وإلى جانب بعض المجموعات اليسارية المعادية إيديولوجياً لفكره، ما دفع بعض الكتائبيين إلى الإمتعاض من هذا التمركز الجديد، خصوصاً أن تلك الجماعات لا تقبل به ولا تريد أن تنسج تحالفاً معه وتعتبره من الأحزاب «الإمبريالية»، في وقت يُصرّ الجميل على فتح معارك مستمرة مع أقرب المقربين له والذين يشكلون البيئة الحاضنة لفكر حزب «الكتائب» ونهجه.
وأمام كل ما يحدث في البلاد يطرح الجميل أخيراً الذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة، في حين أن الذهاب إلى مثل هكذا إنتخابات من دون توحّد المعارضة، يشكّل كارثة تسمح لـ»حزب الله» والعهد السيطرة مجدداً على المجلس النيابي.
وعلى رغم معارضته للعهد في الفترة الماضية بعد عدم إدخاله إلى «الجنة الحكومية»، إلا أنّ الأرقام التي حصل عليها حزب الكتائب في الإنتخابات النيابية الأخيرة كانت أكثر من نكسة، فهو حصد نائبين فقط، أي سامي الجميل والياس حنكش في المتن، بينما فاز النائب نديم الجميل في الأشرفية بفعل حضوره وتشكيله صلة وصل بين «الكتائب» و»القوات»، لأنه يجمع رمزية الرئيس الشهيد بشير الجميل، ولم يفز بقوة رئيس حزب «الكتائب». مع العلم أن نديم الجميل كان من أشد المطالبين بالتحالف مع «القوات» في الأشرفية، وعندما رفض سامي هذا الأمر قال له نديم: ترشح أنت في الأشرفية فالمقعد الماروني هناك هو المقعد التاريخي لجدنا رئيس حزب «الكتائب»، إذا كنت واثقاً من الفوز من دون «القوات» وأنا أترشح في المتن، لكن في النهاية إنتصر خيار نديم في الأشرفية.
وبلغت مجمل الأصوات التفضيلية لحزب «الكتائب اللبنانية» في كل لبنان 34147 صوتاً، في حين كان الحزب الذي سبقه في الأصوات مسيحياً هو حزب «القوات اللبنانية» بحصده 162078، أي إن الفارق مع منافسه الأول بلغ 128 ألف صوت تقريباً.
ويعيش الجميل أزمة حقيقية إذا ما حصلت الإنتخابات قريباً، ففي ظل مهاجمته لـ»القوات» وعدم رضى جماعات الحراك المدني والمجموعات اليسارية بالتحالف معه، فإنه سيبقى وحيداً ولن يستطيع تحقيق أي نتيجة تذكر، وبالتالي سيهدي «حزب الله» أكثرية جديدة مثلما أهدى «الحزب» و»التيار العوني» نائبين في بعبدا وكسروان جبيل هما مصطفى الحسيني وحكمت ديب، بسبب عدم قبوله التحالف مع لوائح «القوات» في تلك المنطقتين.
كان الشباب المسيحي المنتمي إلى فكر اليمين يراهن على فتح «الشمبانيا»، احتفالاً بإعادة توحيد الرؤية بين الأحزاب التي تؤمن بسيادة لبنان وقدّمت الشهداء من أجل هذا الهدف، وإذ به يتفاجأ بأحقاد يعبر عنها النائب سامي الجميل مستهدفاً من يجب أن يكون معه في الخندق نفسه، في حين أن الفريق الآخر يُسرّ لما يفعله الجميل ويكمل سياسته التي لا تنتهي بالتهريب عبر المعابر غير الشرعية، وتشريع العلاقات مع النظام السوري والإنقضاض على لبنان الذي استشهد من أجله الآلاف ويحلم به كل شاب لبناني.