كتب إيلي الفرزلي في “الاخبار”:
التسليم والتسلّم بين شركتَي «زين» و«أوراسكوم» المشغّلتين لشبكتَي الهاتف الخلوي من جهة، ووزارة الاتصالات لا يفترض أن يتأخّرا. الخطوة الأولى ستكون في تعيين مجلسَي إدارة جديدين، على أن يليها إجراء جردة للموجودات في الشركتين. لكن إلى ذلك الحين، على الوزارة أن تتخطّى مطبّ المحاصصة، فهل تنجح في ذلك، وتؤول الإدارة إلى من يستطيع فتح الدفاتر، وكشف مغاور القطاع؟
لم يقفل بعد ملف استرداد قطاع الخلوي. ما حصل أن وزير الاتصالات طلال حواط استدعى إدارتي شركتي أوراسكوم وزين يوم الاثنين الماضي، لإبلاغهما بنيّة الدولة اللبنانية استرداد القطاع. بحسب قرار مجلس الوزراء، لا مهلة محددة للاسترداد، لكن عندما طُرح الأمر على «ألفا» كان الرد مفاجئاً للوزارة: مستعدّون للتسليم فوراً، بمجرد إنجاز المخالصة في الحسابات. بحسب المعطيات المتداولة، فإن الوزير لم يكن جاهزاً للتسلّم، فلم يحدد أمام الشركات أي موعد. سريعاً، طار رئيس أوراسكوم نجيب ساويرس إلى بيروت، ليؤكد للوزير ما سمعه من المدير العام لألفا مروان حايك، متمنّياً للبنان ولقطاع الاتصالات دوام التوفيق والتقدّم.
لم تكن العملية بهذه السلاسة بالنسبة إلى «زين» التي تدير شبكة «ميك 2» («تاتش»). تأخير دفع رواتب نيسان للموظفين فُسّر تعبيراً عن الاعتراض على التسليم. وليس الأمر متعلقاً بعدم تحصيل الشركة لمستحقاتها من الدولة. في الأشهر السابقة، لم تحصل على أموالها لكنها مع ذلك دفعت الرواتب، فبحسب العقد هي المسؤولة عن دفع مستحقات الموظفين، على أن تحصّلها من الدولة. التأخير بالتحصيل لا يعفيها من واجبها تجاه الموظفين. الأمر الآخر الذي أثار الريبة كان حضور المحامي عماد حمدان مع وفد «تاتش». حمدان كان محامي الشركة في عهد مديرها العام السابق، لكن الأخير ألغى عقده، إلا أن حمدان لم يسلّم بالواقع. حرّك ملفات كانت نائمة، وفُتح التحقيق بالعقود والمناقصات. بالنتيجة، وفي عهد الوزير جمال الجراح، نجح حمدان في تحصيل تعويض يقدّر بمليون دولار، دفع من المال العام، مقابل إغلاق الملفات التي كان قد فتحها والتنازل عن السهم الذي يملكه. سياق الأمور أدى إلى عدم تنازله عن السهم، واستمر النزاع مع الشركة، حتى فتحت النيابة العامة في ديوان المحاسبة ملف الفساد في الشركة، وكان هو شاهداً أساسياً. لم يقفل الملف بعد، لكن شركة «زين» ارتأت الاستعانة بخدمات حمدان مجدداً، فعيّنته مستشاراً قانونياً لها. بهذه الصفة، حضر الاجتماع مع وزير الاتصالات، وهو الاجتماع الثاني الذي يعقده مع حواط ممثلاً للشركة.
بالرغم من هذين الاجتماعين، وبالرغم من الرسالة التي أرسلتها الوزارة للشركتين في السادس من الشهر الجاري (بعد يوم واحد من اطلاع مجلس الوزراء على نية الوزارة استرداد القطاع)، بدا جلياً أن الوزارة لا تملك خطة واضحة للتسلّم. وهنا ليس مهماً إن كانت تلك الرسالة هي لإبلاغ الشركتين بقرار الاسترداد، كما تقول مصادر الوزارة، أو دعوة إلى الاجتماع، كما تقول مصادر الشركتين. النتيجة واحدة، وقد أبلغت إلى كل من يهمه الأمر: قطاع الخلوي عائد إلى الدولة. وهذا فعل بديهي، تحول ثوري بفعل مساعي الوزارة السابقة والحالية التمديد للشركتين. فالعقد انتهت مدته، وبحسب هيئة الاستشارات والتشريع، كان يتوجّب على وزير الاتصالات، بشكل فوري وتلقائي، اتخاذ الإجراءات الإدارية والعملية كافة لتسلّم القطاع، منذ الأول من كانون الثاني 2020. مرّت أربعة أشهر حتى اتخذ القرار، لكن تبقى الإجراءات التي لم تتضح بعد معالمها.
العودة إلى الاستشارة القانونية تشير إلى أن تتسلّم «وزارة الاتصالات بواسطة المديرية العامة للاستثمار والصيانة مهمة الإدارة، من دون الحاجة إلى أي ترخيص أو موافقة يصدران عن أي مرجع آخر، سواء في السلطة التنفيذية، القضائية أو التشريعية». لكن مصادر متابعة تقلّل من أهمية الآلية، معتبرة أن ما سيحصل قانوني بحت. والقانون يفرض على أي شركة مساهمة أن يكون لها مجلس إدارة. وهذا المجلس يفترض أن يعيّنه الوزير في هذه الحالة. لكن هنا تتضارب الآراء. هل يحق لموظفين في الوزارة أن يكونوا أعضاء في هذا المجلس؟ مصدر في الوزارة يؤكد أن الأمر ممكن، طالما أن الوزارة هي في النهاية مالك الشركة، ومصدر آخر ينفي الأمر انطلاقاً من أنه لا يجوز أن يعمل موظف قطاع عام في شركة خاصة في الوقت نفسه.
في مطلق الأحوال، يتوقع أن لا يتأخر وزير الاتصالات في تعيين مجلس إدارة لكل من الشركتين، يفترض أن لا يقل عدد أعضائه عن ثلاثة، بحسب القانون. كلمة تعيين تفتح مباشرة باب المحاصصة، فهل هذه هي الحال في الخلوي؟ يقول مصدر مطلع: أنت في لبنان، ومساعي تمرير بعض الأسماء قد بدأت، لكنْ ثمةَ سعي جدي لأن يكون الاختيار تقنياً بما يؤدي إلى منع التدخلات السياسية، أو التخفيف منها. طبعاً، الأمر ليس محسوماً، لا في مجلس الإدارة ولا في المناصب التنفيذية. هنا تجزم مصادر مطلعة أنه كلما كان المعيار موضوعياً، قلّت التدخلات. على سبيل المثال، يمكن اختيار بعض أعضاء مجلس الإدارة من مالكي الأسهم أنفسهم، كما يمكن ترقية المديرين الذين كانوا المرؤوسين المباشرين للمديرين الموظفين في زين أو أوراسكوم، لتسلم مناصب رؤسائهم، أو تفويضهم بمهامهم، على أن يتم الاتفاق على حدود هذا التفويض، بما يوائم بين مرونة العمل داخل الشركات ووصاية وزير الاتصالات. هنا، لا بد من الإشارة الى أنه لا دور لهيئة مالكي القطاع في أي آلية قد تتّبع. وجود تلك الهيئة جزء من عقد الإدارة الموقّع مع الشركتين، وبانتهاء العقد ينتفي وجودها.
ثمة من لا يكترث لآلية إدارة القطاع من قبل الوزارة، انطلاقاً من أن تلك فترة مؤقتة، ينبغي خلالها البدء في إعداد دفتر شروط جديد لمناقصة جديدة. لكن إلى ذلك الحين، يدعو مصدر نيابي مطّلع إلى أن يكون التدقيق في كل حسابات الشركتين على رأس أولويات مجلس الإدارة الجديد، انطلاقاً من أن المشكلة لم تكن تقتصر على المبلغ الذي تتقاضاه كل شركة بدل إدارة، بل تطال كل العقود التي وُقّعت على مدى سنوات.