كتبت جويل رياشي في صحيفة “الأنباء الكويتية”:
لا دولارات في الأسواق اللبنانية الرسمية للوافدين من العمال الأجانب، سواء السوق المصرفية أم سوق الصيارفة، أو في السوق الموازية المعروفة بـ «السوق السوداء».
تكثر أسئلة عمال في متاجر المواد الغذائية الكبرى أو محطات الوقود للزبائن، حول رغبة الأخيرين ببيعهم الدولار، في ضوء صعوبة حصولهم على العملة الأميركية الخضراء من الأسواق اللبنانية، لحفظ قيمة ما يجنونه، ولإرساله الى ذويهم بـ «الوسائل المتاحة»، بعد إيقاف المصارف اللبنانية خدمة التحويل الى الخارج للجميع من دون استثناء من لبنانيين وأجانب، إلى فرض قيود شديدة على شركات تحويل الأموال أيضا.
الحقيقة هي أن لا دولارات في الأسواق للجميع من لبنانيين وعمال أجانب، في ضوء توقف المصارف اللبنانية عن تسليم زبائنها جزءا ولو يسيرا من ودائعهم بالعملات الأجنبية، إلى ترداد الصرافين ما بات يعرف بـ «لازمة»: «لا دولارات لدينا»، وقصر عملياتهم على الشراء بسعرين، أولهما بالسعر الرسمي المحدد من قبل مصرف لبنان والبالغ 3200 ليرة لبنانية، الأمر الذي لا يطبق إلا قليلا جدا.
أما السعر الثاني، فهو سعر السوق والذي يتخطى حاليا عتبة 4200 ليرة لبنانية للدولار الأميركي الواحد.
العمال الأجانب من آسيويين وأفارقة يعانون هذه الأزمة المستجدة، وقسم كبير منهم يدرس اللجوء الى خيار الرحيل عند إعادة فتح مطار بيروت الدولي، والذي توقف العمل فيه إثر قرار الحكومة اللبنانية فرض حالة التعبئة العامة وإغلاق البلاد في خطتها لمواجهة فيروس «كورونا».
بسيوني سعيد عامل مصري في مغسل للسيارات في منطقة الجديدة (ساحل المتن الشمالي على المدخل الشرقي للعاصمة بيروت)، مقيم في لبنان منذ 18 عاما، ويواظب على تحويل الأموال الى عائلته في طنطا، يقول لـ «الأنباء»: «خسرت قسما كبيرا من القدرة الشرائية لما أحصله من أموال، ومع ذلك أنا راض إذ لا خيار لي سوى الاستمرار في العمل، إلا أن ذلك مرهون بتمكني من تبديل العملة الوطنية اللبنانية إلى عملة أجنبية، وبعدها تبدأ رحلة البحث عن «طرق آمنة» لإرسال المال الى عائلتي في ضوء وقف التحويلات المصرفية ووقف العمل في مطار بيروت».
حالة بسيوني تتكرر مع كثيرين، خصوصا مع عاملات في الخدمة المنزلية قررن الرحيل بعد قرار مستخدميهم دفع رواتبهن الشهرية بالليرة اللبنانية، متذرعين بعدم القدرة على الحصول على دولارات أميركية، علما ان الرواتب الشهرية للعاملات تراوح بين ١٥٠ و٣٠٠ دولار أميركي كمعدل عام.
هذه الأزمات تراكمت في ضوء إقفال عدد كبير من شركات الصيرفة الرسمية والأخرى غير الرسمية، لأسباب تتوزع بين إقفال البلاد وفرض السلطات اللبنانية قيودا للحد من المضاربة على العملة الوطنية من قبل بعض الصرافين.
خطوات أدت الى تنشيط السوق السوداء، وتوافر أربعة أسعار للدولار تتوزع بين السعر الرسمي المحدد من مصرف لبنان والبالغ 1515 ليرة لبنانية، والسعر المعتمد لتبديل العملة الأميركية الخضراء في شركات تحويل الأموال الكترونيا والمحدد بـ 3200 ليرة لبنانية للدولار الواحد، إلى ثلاثة آلاف ليرة لبنانية لمبالغ محددة شهريا من مصرف لبنان لدولارات المودعين في المصارف (لا تتخطى 2000 دولار)، وصولا الى تخطي عتبة 4200 ليرة لـ«دولار سوق الصيرفة».
«الأمور أكثر صعوبة لجهة تسديد رواتب العاملات في الخدمة المنزلية»، بحسب انطوان الشيخ أحد أصحاب مكاتب الاستخدام خارج العاصمة بيروت، الذي أفاد بحصول نزاعات عدة بين العاملات ومستخدميهم، ولجوء ربات المنازل الى أولوية تأمين عملة أجنبية للعاملات لديهن، وذلك يتم غالبا عبر شراء هذه الدولارات من السوق السوداء، لمن استطعن الى ذلك سبيلا عبر تحمل الفارق الذي رفع بقوة معدل أجور العاملات بالعملة الوطنية اللبنانية.
في الموازاة، نشطت الجمعيات التي تهتم بحماية العاملات في الخدمة المنزلية، على خط المطالبة تكرارا بإلغاء نظام الكفالة، وتقديم تسهيلات تعين العاملات في هذا الزمن المالي الصعب لبنانيا.
ويبدو واضحا أن الأمور تسير الى مزيد من التأزم، في ضوء تحول الدولار الأميركي «عملة نادرة» في الأسواق اللبنانية، وجعله «من دون سعر»، ما يرهق كاهل الجميع من لبنانيين وعمال مقيمين، ويطرح السؤال عن القدرة على الصمود.