كتب علي زين الدين في “الشرق الأوسط”:
أظهرت التداولات المحدودة، خارج السوقين الرسمي والموازي، تحسناً كبيراً في سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار في نهاية الأسبوع، بتأثير من دفق معلومات مصرفية حول تدخل قوي ووشيك للبنك المركزي في سوق القطع، تزامنا مع إطلاقه منصة التداول الإلكتروني مطلع هذا الأسبوع.
وأكد مصرفيون لـ«الشرق الأوسط» أن استعادة دور البنك المركزي في كبح المضاربات وحماية توازن سوق القطع عبر التدخل المباشر بائعاً الدولار من احتياطه، يمكن أن يعيد الانتظام إلى التداولات وحصرها ضمن هوامش سعرية مرنة ومحددة يجري تحديدها عبر المنصة الإلكترونية وبالتعاون مع الجهاز المصرفي مباشرة ومع شركات الصيرفة المنضبطة والملتزمة بتعاميم السلطة النقدية.
وسيمثل هذا التوجه، في حال ثبوت وقائعه خلال الأيام المقبلة، استجابة من قبل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لطلب سابق من رئيس الحكومة حسان دياب باستخدام مبالغ الوفر المحققة من تكلفة تغطية مستوردات المحروقات عقب الانخفاض الكبير في أسعار النفط العالمية في ضخ سيولة نقدية بالدولار في الأسواق، وبما يصل إلى مليار دولار عند الاقتضاء، بهدف الحد من التدهور المريع في سعر صرف الليرة.
وتتناسق هذه الترقبات مع معلومات موازية عن مشاركة سلامة شخصياً بدءاً من هذا الأسبوع في جولات التفاوض المقررة عبر تقنية «الفيديو كونفرنس» مع خبراء صندوق النقد الدولي، بعدما جاهر سابقا بعدم مشاركته بصوغها واكتفى بإرسال مندوبين من البنك المركزي للانضمام إلى الفريق اللبناني المفاوض برئاسة وزير المال غازي وزني.
وبالفعل، فرغم الإقفال الصحي الملزم منذ الخميس الماضي وعطلة نهاية الأسبوع تواصل إضراب شركات الصيرفة احتجاجا على التوقيفات التي شملت نقيبهم محمود مراد، رصدت «الشرق الأوسط» تحولا مهما في «مزاج» المبادلات الدولارية عبر الصرافين الجوالين والتطبيقات على الهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي، بحيث تقلصت الهوامش تباعا من نحو 4400 ليرة إلى نحو 3700 ليرة لكل دولار. وهو ما يعاكس تماما سريان شائعات قبيل الإقفال ببلوغ الدولار سريعا عتبة 5000 ليرة.
وإذ تعذر بسبب العطلة الطويلة الحصول على معلومات دقيقة من البنك المركزي المنشغل أيضاً بتوقيف مدير العمليات النقدية مازن حمدان على خلفية التحقيقات التي يجريها المدعي العام المالي علي إبراهيم بشأن التلاعب بسعر الدولار، توقع مسؤول مصرفي أن يستوجب التدخل المباشر للمركزي الإعلان رسميا عن انطلاق منصة التسعير وإصدار مذكرة تعليمات للمصارف تبين الجوانب التنظيمية واللوجيستية وتحديد سقوف المعاملات للأفراد والشركات وضوابط عمليات الشراء والبيع من الجمهور، وهي أمور تتطلب بضعة أيام للتحقق من مواءمتها قبيل الشروع بالتنفيذ.
ولاحظ المصرفي أن مجرد سريان المعلومات عن معاودة التدخل في سوق القطع أحدث صدمة فورية في سوق الصرف «الافتراضي». وهذا ما يؤكد أن قدرة تحكم البنك المركزي بسوق القطع الرسمية لا تزال مؤثرة للغاية رغم الحرص الشديد على تقنين التصرف بمبالغ احتياطيه من العملات الصعبة القابلة للاستخدام والبالغة نحو 20 مليار دولار حاليا وفقا للبيانات المالية التي رفعها سلامة إلى الحكومة.
وعن توقعاته للهوامش السعرية التي سيتم اعتمادها، أوضح المصرفي أن «البنك المركزي سبق أن سعّر الدولار الوارد من الخارج عبر المؤسسات غير المصرفية لتحويل الأموال عند 3200 ليرة لكل دولار. ومن المرجح أن يكون هذا السعر استرشاديا لتحديد سقف التدخل الذي يمكن أن يزيد إلى نحو 3500 ليرة، أي السعر المقترح ضمن الفرضيات التي وردت في خطة الحكومة التي تجري مناقشتها مع خبراء صندوق النقد الدولي. وهو سعر مناسب للخروج من دوامة المضاربات التي تعم الأسواق حاليا. علما بأن السعر الرسمي سيبقى ثابتا، حتى إشعار آخر، عند 1520 ليرة بما يخص التعاملات الخاصة بمستوردات السلع الأساسية التي يغطيها البنك المركزي».
ويؤمل أن تتزامن الخطوة النقدية مع تشدد الأجهزة الأمنية بتنفيذ قرارات مجلس الدفاع الأعلى والحكومة لمكافحة تهريب السلع المدعومة إلى سوريا، وبشكل خاص المحروقات والطحين. وهو ما يكفل، إلى جانب الحد من تهريب الدولارات النقدية، بتضييق فجوة كبيرة تصل إلى 4 مليارات دولار سنويا وفقا لما ألمح إليه سلامة في مداخلته التلفزيونية الأخيرة، مشيرا إلى «دفع 4 مليارات دولار سنوياً لبضائع لا يحتاجها لبنان».
وكان وزير المال كشف «أن لبنان مستعد لتلبية طلب صندوق النقد الدولي تعويم سعر صرف الليرة أمام العملات الأجنبية، لكن بعد تلقيه الدعم الخارجي، على أن يُعتمد في المرحلة المقبلة سعر صرف مرن». وقال لوكالة «فرانس برس»: «يطالب صندوق النقد دائماً بتحرير سعر صرف الليرة. هم يريدون توحيد أسعار الصرف والتعويم، لكن الحكومة اللبنانية طلبت مرحلة انتقالية تمر بسعر الصرف المرن قبل أن نصل إلى التعويم. وعلينا تعديل سياسة التثبيت إلى سياسة سعر الصرف المرن في مرحلة أولى وعلى المدى المنظور، وحين يصلنا الدعم المالي من الخارج ننتقل إلى التعويم».