الى المؤشرات السلبية الداخلية الموثقة بالارقام في شأن الواقع اللبناني المرير والهاوية السحيقة التي قاد اللبنانيين اليها من يُفترض انهم مسؤولون عن حسن تدبير امورهم في الوطن، ما دفع الى الاستعانة عنوة بصندوق النقد الدولي وتجّرع كأس اجراءاته المرّة، اذا ما توافرت ظروف الموافقة على المساعدة اولا، علما ان جولة التفاوض الثانية ستعقد اليوم بمشاركة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، تتوالى مؤشرات لا تقل سلبية من الخارج تزيد الاجواء السوداوية قتامة وتبدد ما تبقى من فتات الايجابية النادر وجودها في لبنان، الا في الامنيات.
فعلى رغم كل التداعيات التي ستصيب اللبنانيين ومعيشتهم، على قاعدة “اهون الشرور”، فيما لو وافق صندوق النقد على المساعدة بشروطه، وليس طبعا بشروط من يمسكون بزمام السلطة في لبنان ويقودون السفينة وفق رياح مصالحهم العابرة للحدود، وقد لفت المراقبين السياسيين تكليف مارتن سيروزولا رئاسة الفريق المفاوض مع لبنان وهو نفسه من تولى مفاوضات الصندوق مع ايران، ما يعني انه يعرف عمليا “البير وغطاه”، ثمة مؤشران يبعثان على القلق ويرفعان منسوبه ازاء مستقبل البلاد، بحسب ما تقول اوساط سياسية لـ”المركزية”، يتمثل الاول بما يدور داخل اروقة الكونغرس الاميركي من اتجاه لمنع واشنطن من مساعدة اي حكومة “يؤثر عليها حزب الله” من ضمن مشروع قرار قدمه النائب عن ولاية تكساس السيناتور تيد كروز الى الكونغرس، لم يخرج بعد الى العلن، ويُرجح أن يظهر نصه الأسبوع المقبل بعد مناقشته، نظرا لما يحمل القرار في طياته من خطورة اذا ما أبصر النور بحيث يحجب عن لبنان أكثر من 100 مليون دولار سنوياً. وبحسب مشروع القانون الذي قدمه كروز، فإنه “سيتم إيقاف المساعدات إلى لبنان حتى يعلن الرئيس اللبناني أن جماعة “حزب الله” ليست عضواً في الحكومة، وليس لها أي نفوذ في السلطة، وليس لها أي أذرع في أي من وزارات الدولة”.
ومن المتوقع أن يحشد مشروع القانون دعم نواب الحزب الجمهوري، خلافا للنواب الديمقراطيين غير المحسومة توجهاتهم في هذا الشان حتى الساعة. واكدت لورين أرونسون، المتحدثة باسم كروز، إن السيناتور الجمهوري يؤمن بأنه “ينبغي وقف إرسال أموال دافعي الضرائب إلى حكومات تتحكم فيها أنظمة إرهابية.. مسؤولة مباشرة عن مقتل مئات الأمريكيين”. ومع ان وزارة الخارجية الأمريكية لم ترد على طلب للتعليق على مسودة القانون التي طرحها كروز، الا ان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو اعلن سابقا “أن إدارة ترامب ما زالت ترى أن المساعدات العسكرية التي يتم إرسالها إلى القوات المسلحة في لبنان ضرورية.”
والى خطورة مشروع القرار الاميركي، وعلى امل الا يبصر النور، نسبة لانعكاساته البالغة السلبية لا سيما على المؤسسة العسكرية التي تستفيد من برنامج المساعدات الاميركية الى حد كبير في اطار تدعيم قدراتها، تضيف الاوساط السياسية تقلّص مساعدات “سيدر” بفعل تداعيات كورونا، هذا إن نُفذت الاصلاحات الضرورية للافراج عما تبقى من مساعدات في خزنة المؤتمر. والاخطر ما تنقله عن مصادر دبلوماسية خليجية من ان دول الخليج التي تشكل رافدا اساسيا للمساعدات الدولية، إن في مؤتمرات الدول المانحة او في المساهمات الدولية في صندوق النقد، تتماهى الى ابعد حدود مع التوجهات الاميركية المتشددة لجهة عدم دفع اي قرش لحكومة لبنان ما دامت واقعة تحت سطوة حزب الله. وتشير الى ان هذه الدول ارسلت اشارات كثيرة في هذا الاتجاه، لا سيما من خلال مقاطعة السراي وسيده فيما يزور دبلوماسيوها بيت الوسط . وتعتبر المصادر الخليجية انها ليست راهنا في وارد مساعدة “حكومة حزب الله” التي جرّت لبنان من محور الاشقاء العربي الى المقلب الفارسي المعادي، وان عليها تحمل تبعات سياساتها هذه.
ازاء هذه المؤشرات لا تبدي الاوساط السياسية اي تفاؤل بإمكان انقاذ لبنان من العاصفة الهوجاء التي تضربه والتي تسببت بها سياسات قصر النظر والانانيات الشخصية البعيدة عن المصلحة الوطنية، سائلة عن المصير الذي ستؤول اليه البلاد في ضوء غياب الحكماء والعقلاء واعتماد المسؤولين سياسة “دفن رؤوسهم في الرمال”. المشهد سوداوي اكثر مما يعتقد البعض. تختم الاوساط.