كتبت راكيل عتيِّق في صحيفة “الجمهورية”:
يُنبئ التصعيد على أكثر من جبهة مسيحية مارونية، خلال الأسبوع المنصرم، بمسار العلاقات بين «الزعامات» المارونية والأحزاب والتيارات المسيحية في الفترة المقبلة، والذي لن يختلف عن المسار التاريخي بينهم، والذي يوجّهه النزاع على كرسي رئاسة الجمهورية، وفرض مقولة «أنا أو لا أحد» في كلّ الاستحقاقات والمواقع واللحظات السياسية المصيرية والمرتبة الشعبية، بحسب ما يقول متابع لاجتماعات مارونية – مارونية عدة. لكنّ الخطير في هذا النزاع الآن، أنّه يتأجّج في لحظة وطنية تتطلّب حوارات عقلانية وعلمية بنّاءة، إضافةً الى تعاون واتحاد على المستويين السياسي والوطني لإنقاذ ما تبقّى من لبنان وشعبه.
يزداد الشرخ الماروني – الماروني مع توالي المؤتمرات الصحافية التي يعقدها «القادة» الموارنة ورؤساء الأحزاب والتيارات السياسية المسيحية، ويستهدفون فيها بعضهم بعضاً مباشرة أو بـ»التلميح والتلطيش». هذا النزاع، ينسحب على تصريحات المسؤولين في هذه الأحزاب والتيارات، وخصوصاً على مواقع التواصل الإجتماعي، حيث يحشد كلّ طرف جيشاً من قاعدته الشعبية لربح المعركة في حربٍ لا تنتهي.
هذا الأمر يتطلّب، بحسب البعض، عقد لقاء مصالحة مارونية – مارونية تحت سقف القصر الجمهوري أو مقرّ البطريركية المارونية، يشمل رؤساء أحزاب: «القوات اللبنانية» سمير جعجع و»التيار الوطني الحر» جبران باسيل و»المردة» سليمان فرنجية و»الكتائب اللبنانية» سامي الجميّل، وذلك لتنظيم الخلافات السياسية في ما بينهم، وتوحيد الموقف المسيحي حول قضايا وطنية مصيرية، فضلاً عن مساهمتهم في تقديم الحلول وتسخير إمكاناتهم وعلاقاتهم الداخلية والخارجية لمعالجة الأزمة التي يمرّ فيها لبنان.
لا تُبشّر لقاءات سابقة كهذه بـ»الخير»، فهي لم تؤتِ بنتائج مهمّة ومستدامة. حتى اللقاء الماروني الموسّع الأخير الذي عُقد تحت جناح البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في 16 كانون الثاني 2019 في بكركي، لم يُشكّل فارقاً، إن على صعيد العلاقات المارونية ـ المارونية، أو على صعيد توحيد الموقف المسيحي حول قضايا وطنية.
وتقول مصادر مطّلعة على هذه الإجتماعات، إنّ «خلافات القادة الموارنة تعرقل كلّ شيء وتشلّ أيّ حركة. فلا يُمكنهم الفصل بين الشؤون الوطنية والسياسية والحزبية والمسيحية، ويُدخلون التجاذب في أيّ شأن. وكلّ واحد منهم يريد أن يكون الزعيم المُطلق. وهذا واقع تاريخي مُرّ لا يزال مستمرّاً. كذلك، يُظهرون جميعهم إيجابيات، لكن هناك نوع من الانفصام في عملهم السياسي، فالكلام الذي يُحكى داخل الاجتماعات لا يُنفّذ في الخارج، والإتفاقات التي كانت تُبرم لم تكن قابلة للحياة، فهم يوظّفون كلّ شيء في الشعبوية».
وتتعدّد الخلافات المسيحية – المسيحية في هذه المرحلة بنحوٍ متشابك، بين «الكتائب» و»القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر» و»المردة». وإذ تعتبر جهات عدة أنّ عون طرفاً، خصوصاً في الساحة المسيحية، وبالتالي لا يُمكنه رعاية لقاء مصالحة مسيحية، تقول مصادر بعبدا: «ليعطوا أدلة ويحددوا في أيّ ملف كان الرئيس طرفاً، أو متى انحاز الى أيّ طرف؟ هو لديه اقتناعاته ووجهات نظره، يقولها في مجلس الوزراء، وهذا حقّ دستوري، ولا يعني أنّه منحاز».
وبحسب هذه المصادر، إنّ عقد أيّ لقاء ماروني – ماروني لم يُطرح في مقرّ المرجعية الدستورية «الأعلى» مارونياً، في بعبدا. أمّا في مقرّ مرجعية الطائفة الدينية في بكركي، فإنّ عقد لقاء ماروني مُوسّع أو مُحدّد الأطراف، مطروح دائماً، لكن لا لقاء أو اجتماع من هذا النوع مُحدّد قريباً. ويستعيض الراعي عن ذلك، بالإتصالات المستمرة التي تجري بينه وبين القيادات السياسية المسيحية في الكواليس. وتقول مصادر بكركي إنّ «كلّ طرف لديه خطّه السياسي الذي يعبّر عنه. ولا يتدخّل البطريرك في التفاصيل السياسية بين التيارات والأحزاب. هو يتواصل مع رؤسائها والمسؤولين فيها، من دون الدخول في النقاشات والآراء السياسية بين كلّ الإتجاهات السياسية، لكنّه يشدّد دائماً على ضرورة احترام الاختلاف والرأي الآخر بلا أيّ تجريح، بالتوازي مع صون العمل الديموقراطي وحرية التعبير».
على صعيد الأحزاب والتيارات السياسية المسيحية إنّ «التيار الوطني الحر» مستعدّ لتلبية أيّ دعوة الى لقاء أو حوار مسيحي. وتقول مصادر «التيار»: «إنّ أيّ هجوم أو اعتداء كلامي يُطاولنا ومن أيّ طرف لا يؤثّر على موقفنا من المواضيع الكيانية والاستراتيجية والوجودية الوطنية والمسيحية التي تتصّل بالمصير». وتؤكّد أنّ «التيار منفتح على أيّ لقاء تدعو إليه بكركي أو أيّ جهة أخرى إذا كان عنوانه الحوار حول مستقبل لبنان ومشكلاته». وتشير الى «أنّه إذا كانت المسألة مسيحية – مسيحية، فسبق أن أبلغنا الى البطريرك الراعي مرات عدة استعدادنا للمشاركة».
كذلك، لا مانع لدى «المردة» من المشاركة في أيّ لقاء وتحت أيّ سقف. فعلى رغم هجومه الشرس على عون وباسيل، توجّه فرنجية إليهما خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده في 11 أيار الجاري، وقال: «إذا أرادوا الحرب فليكن، وإذا أرادوا السلم نحن جاهزون». وتقول مصادر «المردة»: «نحن لم نهاجم ولم «نَفتح المشكل»، ولا مصلحة لنا في هذا الحديث، فهم من يعملون بطريقة كيدية».
أمّا «القوات» فترى أنّ «الأزمة التي يمرّ فيها لبنان لا تستدعي أيّ اجتماع من طبيعة طائفية، فهي مالية ووطنية، تتطلّب معالجة ضمن شروط إصلاحية واضحة المعالم، ولا لزوم لاجتماعات خارج السياق المطلوب، ولا حتى اجتماعات وطنية، فالمطلوب هو تنفيذ قرارات، وهذا ما قاله جعجع في الحوار الوطني المالي الذي عُقد في القصر الجمهوري في 6 أيار الجاري».
وعلى صعيد «النزاعات المارونية – المارونية»، تقول مصادر «القوات»: «في الحياة السياسية تحدث مواجهات واشتباكات، وهذا أمر طبيعي ولا لزوم لاجتماعات ومصالحات. يجب أن نعتاد في الحياة السياسية على الإلتقاء على ملفات والإختلاف في أخرى، ولا لزوم لأيّ لقاءات بأيّ طابع لإجراء مصالحات على قاعدة «امسَحها بهَالدقن»، فالمسألة ليست من طبيعة عشائرية، ومن الطبيعي أنّ قوى سياسية ونتيجة مواقف سياسية متباينة، تختلف حيناً وتتصالح حيناً آخر».
كذلك، يبدو أنّ «الكتائب» لا تعلّق آمالاً على لقاءات كهذه، وتعتبر أنّها «طرف ثالث غير معني بالذين «يَتخانقون» حيناً ويرضون حيناً آخر، ويتحالفون تارةً ويوصلوننا الى حرب في لحظة أخرى». وإذ تؤكد مصادر «الكتائب» أنّ «كلّ المصالحات مُباركة»، ترى أنّ «الوضع المسيحي والوطني العام الآن، أعمق من إجراء مصالحات مثل مصالحة الناظر لتلميذين يتخانقان».