Site icon IMLebanon

الحرية قبل الخبز والأمن… فهل المسيحيون بخير؟

كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:

العالم كله في أزمة. واللبنانيون، بلا إستثناء، محبطون، قلقون، جائعون، يتصببون عرقا. لكن، في أيار هذا، في الذكرى الثالثة والعشرين لزيارة البابا يوحنا بولس الثاني الى لبنان، الذي سعى من خلالها الى انتشال المسيحيين في العام 1997 من بعض الإحباط المطبق عليهم نعود ونسأل: هل مسيحيو لبنان في سنة 2020 بخير؟

“جان بول تو… وي لاف يو” أتتذكرون ذاك المشلح الأصفر الذي زنّر لبنان ذات أيار جامعاً الرجلين: قداسة البابا يوحنا بولس الثاني وغبطة الكاردينال مارنصرالله بطرس صفير؟ في تلك اللحظة كان المسيحيون في أمس الحاجة الى من ينتشلهم من الإحباط الكبير. كانوا ينتظرون بفارغ الصبر أن تسقط كرة فريق الحكمة في سلة فريق الرياضي ليبتسموا قليلا. كان إحباطا كبيراً. وها نحن في أيار، في ذكرى تلك الزيارة الإستثنائية في الوقت الإستثنائي، لكن ها قد مضى 23 عاما، حصل فيها ما حصل، عاد ميشال عون من النفي وخرج سمير جعجع من السجن وخرج السوري وبات “الرئيس القوي” في بعبدا. فهل المسيحيون بخير؟

أنطوان نجم، المفكر السياسي وابن بلدة قرطبا المارونية، يتّكل اليوم، كما اتكل كل يوم، على العناية الإلهية في بقاء لبنان ومسيحيي لبنان مستعيناً بكلام الأرثوذكسي الدكتور شارل مالك الذي يقول فيه: “إن لوجود الموارنة وبقائهم مغزى وسراً عجيبين، وهذا السر الدفين لا ينكفئ على لبنان وحسب، بل يتعداه الى ما هو أعمق وأبعد منه بكثير”.

فليطمئن الموارنة والمسيحيون الى وجودهم، لكن ماذا عن القلق الهائل الذي يظلّ يلح عليهم ويُشعرهم بأن مكانهم النهائي قد لا يكون هنا؟

سجعان قزي، الوزير السابق الكاتب والمفكر السياسي، يتحدث عن إحباط وطني يشمل غالبية الطوائف باستثناء الطائفة الشيعية في بيئة “حزب الله” أقله حتى إشعار آخر. الإحباط المسيحي هو اليوم جزء من الإحباط الوطني لكن له ميزة خاصة هو أن المسيحي الذي راهن على لبنان الكبير بات يعتقد أن رهانه أتى فاشلاً، وأن دوره في هذه الدولة تغيّر. ويستطرد قزي بالقول: للموارنة دور سياسي في هذا الشرق، وهذا الإحباط الذي اشتدّ في العام 1992 وكلنا نعرف أسبابه حاول المسيحيون التخلص منه في العام 2005 مع ثورة الأرز وخروج سمير جعجع وعودة ميشال عون لكنهم سرعان ما صدموا مرة أخرى لأن تلك الإنتفاضة الشعبية التي كادت تخرجهم من الإحباط انطفأت بسرعة. وعوض أن تعود القضية اللبنانية الى سطوعها ونضالها دخلت القوى المسيحية في صراعات سياسية وتسويات. وها نحن اليوم، في عزّ الإحباط، خصوصاً أن جزءاً كبيراً من المسيحيين راهن أن وصول الرئيس ميشال عون الى السلطة من شأنه، عن حق أو عن باطل، أن يعيد الوهج الى النبض المسيحي في الدولة لكنه، والكلام لقزي، اتخذ خيارات خارج السياق التاريخي للطائفة المارونية خصوصاً، والمسيحيين عموما، بتحالفه الكلي مع “حزب الله”. أصبح “حزب الله” يعطي التوجيهات والطرف الآخر ينفذ.

اللبنانيون جميعا في أزمة هائلة لكن المسيحيين في إحباط متجدد. والحلّ؟ يجيب قزي بمقولة: “أعطني مشروعاً وخذ الباقي… أعطني رجلاً يقود شعبي وارتاح”. المسيحيون ما زالوا حتى اللحظة يبحثون عن قائد. ويشرح: ثمة بحث عمن يقود اليوم الشعب المسيحي ويحلم أحلامه وطموحاته ويتمسك برسالته التاريخية ويجدد فيه روح المقاومة بمعنى الكرامة والعنفوان والثورة والتمرد. المسيحيون قبل العام 1975 كان لديهم رئيس واحد وزعماء كثر. الآن أصبح كل الزعماء مشاريع رؤساء ولم يعد لديهم زعيم وطني واحد. وطالما هذا الأمر غير موجود طالما الإحباط سيظل قائماً.

ما رأي المطران يوسف بشارة، الراعي التنفيذي للقاء قرنة شهوان، في حال المسيحيين اليوم؟

يعتبر المطران بشارة أن الأزمة اليوم عالمية وتعمّ الجميع، ومشكلتنا هي أننا نحاول معالجة الحاضر على أساس الماضي. وحين يخرج من يعتبر أن فلانا أقوى من فلان، في هذه اللحظة التي تشهد مشاكل أكبر من كل الطوائف، يكون كمن يمارس نوعاً من الخيال. من يظن نفسه اليوم قوياً هو من سيجلب الى البلد الويلات.

اليوم لا يُشبه أمس. والتفاهمات التي أرادت قرنة شهوان تحقيقها قبل عشرين عاما ما عادت تصلح اليوم. العالم تغيّر. لبنان تغيّر. الأزمات كثيرة وإن كانت مشاعر الإحباط قد عادت لتسيطر.

على نقيض المطران بشارة يبدو أنطوان نجم متفائلاً ويستعين للتأكيد بواقعٍ: فمن واجهوا حرب 1975 الى العام 1990 وصولاً الى 2000 وكانت حدودهم بين المدفون وكفرشيما وواجهوا الفلسطيني والسوري والعراقي والليبي واليمني وحتى الأميركي الذي كان ينوي، عام 1975، جعل لبنان دولة فلسطينية، سيتمكنون اليوم من الصمود في وجه كل التحديات. لكن، بشرطٍ واحد، أن يقرروا البقاء هنا ولا يغادروا. ويستطرد بذكر رواية جرت مع صديقه هنري كريمونا الذي رأى خارطة لبنان تغلي ثم سمع صوت العذراء تقول: سأحمي لبنان بمشلحي. يتكلم المفكر السياسي بإيمان هائل يجعله مقتنعاً أن نشأة لبنان لا تُفهم إلا بهذا الجوّ والإيمان بأن الرب لن يتركنا بل نحن من نتركه. فلنبق معه وسنبقى على خير.

ما رأي سجعان قزي؟

يوافق قزي على أن المطلوب اليوم ضخّ الحياة في “جثة المقاومة” ومنحها الروح كي يرجع مجد لبنان ويعود الدور المسيحي الحقيقي لا الدور الذي يحكون عنه في البيانات والخطابات والمؤتمرات. وحين يُقال مقاومة مسيحية يُقصد بها التجذر بالأرض والكرامة والعنفوان. ويستطرد بالقول: لم يلتجئ المسيحي الى لبنان بحثاً عن أمن وخبز وطحين. فالمسيحي كان يحصل، أيام الدولة الإسلامية وتصنيفه “أهل ذمة”، على الأمن والخبز، لكنه كان يبحث عن الحرية التي هي قبل الأمن والخبز.

علينا أن نستعيد الثقة بالنفس، بوجودنا، بدورنا، بقدراتنا، على أن نعمل بكدٍ وجهد من أجل تطبيق الدستور واللامركزية الموسعة. علينا أن نتذكر دائما لماذا وجد لبنان عام 1926؟ هل وجد كي يكون مثل كل الدول الأخرى؟ طبعا لا. على لبنان أن يكون الدولة المثال، دولة الحريات، دولة المواطنية، دولة العيش المشترك. في كل حال، القلق مشروع، كما الخوف، نظراً للظروف لكن لا يمكننا أن نبني حياتنا على هذا الخوف. مررنا في ظروف أصعب بكثير. نحن قيمة نحددها بأنفسنا. فلنحلم.

لماذا الكلام اليوم عن الإحباط؟ أليس الكلام عنه، في ذاته، يُحبط؟

سؤالٌ مشروع، وإن كان لا يختلف إثنان، في ذكرى مجيء البابا يوحنا بولس الثاني الى لبنان لينشلنا من إحباطنا، أن المسيحيين محبطون في حين أن كل الآخرين يتألمون. ثمة فرق شاسع ما بين القلق على المصير الذي يعيشه الجميع وبين الإحباط الشديد الذي يعاني منه المسيحي.

البطريرك مارنصرالله بطرس صفير رحل. البابا يوحنا بولس الثاني أيضا رحل. فمن يساهم اليوم في إخراج المسيحيين من الإحباط؟ يتمنى كل من يتابعون أحوال المسيحيين أن يعود من ترك المارونية القروية الى المارونية الإستعراضية الى الأرض والضيعة. اللبناني الشيعي لم يغادر الأرض. المواطن الدرزي لم يغادر هو أيضا الأرض بقدر ما فعل المسيحي. فليستفد المسيحيون من هذه الأزمة ليتخلوا، بحسب قزي، عن “السومو” والكافيار ويعودوا الى الطحين والصاج ورغيف المرقوق والى منطق “خبزنا كفاف يومنا”.

المسيحيون يفترض أن يعودوا الى “خبزنا كفاف يومنا” أما من يحكون باسم المسيحيين فيجب أن يتذكروا أن إبن الطائفة يريد قبل الخبز الحرية ويأبى أن يجد من يتحدث باسمه ينفذ الأوامر وغيره يعطيها.

نحن في الزمن الصعب. كورونا واقتصاد يغلي وأزمات وفساد لكن، بموازاة كل هذا ثمة مواطن يشعر بأنه ما عاد حرّا. هنا بيت القصيد.