كتب جورج شاهين في صحيفة “الجمهورية”:
رغم التطمينات المتعدّدة التي ترغب حكومة «مواجهة التحدّيات» ارسالها في في كل الاتجاهات، فإنّ «وراء الأكمة ما وراءها». فحتى الساعة لم يؤدِ اصطفاف الوزراء كمجموعة متماسكة تشكّل فريق عمل وزاري واحداً وموحداً، عند اطلاق اي موقف حكومي يتصل باستحقاق داخلي او خارجي الهدف منه. فما تعانيه الحكومة من الداخل يؤكّد وجود «مرض خبيث» يهدّدها في اي لحظة. فما الداعي الى هذه القراءة؟
قد يكون من المبكر الحديث عن ارتجاجات كبيرة في قلب «حكومة التحدّيات» مخافة اعتباره وهماً، يشبه الى حدٍ بعيد ما له علاقة بما يقدّمه المنجمون. فالمهلة الفاصلة بين تكليف رئيسها الدكتور حسان دياب (19 كانون الاول 2019) ونجاحه في تشكيلها (21 كانون الثاني 2020) وصولاً الى هذه اللحظات، قد تجعل من الحديث عن وضعها الداخلي تعبيراً عن رغبة دفينة لدى البعض، ممن يخشى نجاحها ويرغب في الّا تكون موجودة، وهي تسعى الى تطييرها في اسرع وقت ممكن.
فلم يسبق لحكومة ان عاشت وضعاً صعباً قبل اتمامها الشهر الرابع على ولادتها. ولكن ما تحفل به الصالونات المقفلة، يشي بمجموعة من العقبات التي يمكن ان تنعكس على تركيبتها، من دون استبعاد ما يمكن ان تحدثه من شرخ في صفوفها. فما تواجهه من الإستحقاقات الكبرى، وتحديداً النقدية والمالية والاقتصادية وعلى مستوى العلاقات الخارجية، قد يكون عصياً على اي حكومة، ان كانت تمثل مختلف القوى الحزبية والسياسية اللبنانية بمجملها، فكيف بالنسبة الى حكومة تحمل منذ لحظة تشكيلها صفة «حكومة اللون الواحد»، قبل ان تتحول في وقت اسرع مما كان متوقعاً، متهمّة بأنّها «حكومة حزب الله»، وهو امر يشكّل خطراً كبيراً، قد تكون له تداعيات لم تظهر نتائجها الكاملة بعد، في ظل الحصار الديبلوماسي والاقتصادي والمالي الذي يتعرّض له لبنان على يد حلفائه التقليديين، في مقابل العجز الكبير الذي يعانيه حلفاؤها الإقليميون والدوليون، عن القيام بما يعوّض ما كان يوفّره المجتمع الدولي.
ليس في هذه الأسباب الموجبة والمعطيات التي تقود الى توصيف الوضع الحكومي الصعب، ما يرضي البعض من القوى التي تعتقد انّها تستطيع انقاذ البلاد واخراجها من قعر الحفرة التي وقعت فيها، وحجم الازمة التي تعانيها، من دون العودة الى المجتمع الدولي وقبل ترميم علاقات لبنان العربية والغربية.
وان كانت هناك بعض الأسرار ما زالت مخفية عن بعض الناس، فإنّ بعضاً منها بدأ يطل برأسه، ليعكس هذه الصورة القاتمة. ففي الكواليس السياسية والديبلوماسية كلام كثير عن حجم الخلافات الداخلية التي بدأت تعصف بأبناء الصف الواحد. ولولا الوساطات والجهود المعلنة وغير المعلنة التي يبذلها بعض الأصدقاء المشتركين وفي مقدّمهم الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، لطفت الخلافات على سطح الأحداث.
على هذه الخلفيات، واستناداً الى ما هو مخفي من مظاهر الخلافات، لا ترى المراجع الديبلوماسية والسياسية صعوبة في الإشارة الى كثير من الأخطاء المرتكبة عند مقاربة الملفات الكبرى. وفي الوقت الذي عبّر احد الديبلوماسيين عن الدور الإيجابي لوباء «الكورونا»، الذي ابقى التواصل قائماً بين اركان الحكومة الجديدة والمجتمع الدولي، لكانت الأوضاع في مكان آخر، لا يشبه ما نعيشه اليوم. وبفكاهته المعهودة، توصّل الديبلوماسي الغربي الى القول، انّ «الكورونا» هي «ابنة» هذه السلطة وصديقة من رعى تشكيلها، لأنّها ارجأت سقوطها في الشارع ووضعت حداً لثورة 17 تشرين الأول الماضي.
ولكن، يستطرد الديبلوماسي ليقول، انّ «البعض ممن ادّت الإنتفاضة الى وضعهم في اسوأ المواقع، شعروا أنّ «الكورونا» حملت اليهم «قوارب الإنقاذ»، فأبعدتهم عن عمق المأزق الى ما يعتقدونه شاطئ الأمان. فلا يمكن لأي عاقل ان يتجاهل ما احدثته هذه الانتفاضة من تشويه صورة البعض، حتى اولئك ممن اعتُبروا «إنصاف آلهة» امام جمهورهم والموالين. ولذلك، وبدلاً من ان يتواضع المصابون بما حصل وإعادة النظر في استراتيجيتهم التي كانت معتمدة قبل 17 تشرين الاول، استعادوا الأنفاس لارتكاب مزيد من الاخطاء».
ومن هذه الملاحظات، يضيف الديبلوماسي، «انّ من الصعب جداً على هذه الحكومة ان تنجح في المقاربات الموضوعة للخروج من المأزق المالي والنقدي الذي تعيشه البلاد، طالما انّها اعتبرتها مجرد ازمة مالية ونقدية يمكن معالجتها بقرارات نقدية ومالية، دون النظر الى ما هو مطلوب سياسياً. فكل الصرخات المدوّية التي اطلقها رئيس الحكومة وقبله رئيس الجمهورية الى من يسمّونهم «اصدقاء لبنان» ذهبت هباء، ما خلا تلك المعنية بأزمة «الكورونا» وتداعياتها على لبنان، وما يقود اليه وجهها الانساني لا اكثر ولا اقل. ومن لا يريد ذلك، او يصدّق ما آلت اليه الحال، عليه العودة الى مجموعة الشروط الدقيقة التي جاء بها بيان «المجموعة الدولية من اجل لبنان»، عقب اطلاق الخطة الإقتصادية «التاريخية»، وتلك التي صدرت عن الخارجية الفرنسية وممثلي مؤسسات الامم المتحدة، معطوفة على مواقف ديبلوماسيين اميركيين حاليين وسابقين، للتثبت من عقم المعالجات الجارية وعدم اقتناع العالم بجدواها. ومن لم يقرأ الجديد في هذه المعطيات لربما يمكنه ان يقرأ الصمت العربي والخليجي تحديداً، وحجم الإهمال للملف اللبناني، ليستزيد مما يقنعه».
والى كل هذه المعطيات، يختم الديبلوماسي قائلاً: «انّ اي تأخير في اتخاذ التدابير التي تقفل الحدود امام اعمال التهريب بين لبنان وسوريا، والسعي الى قضاء مستقل بعيداً من تأثيرات المواقع السياسية المتورطة في الملفات المطروحة عليه، والتوقف عن الحروب البينية بين ابناء الصف الواحد التي يُستغل فيها القضاء تحت شعار مكافحة الفساد بالتغطية على ابطاله وتجنيبهم الوصول الى رؤوسه الكبيرة التي تحتمي بمواقعها، كل ذلك لا يكفي للمباشرة في «المفاوضات المفيدة» مع صندوق النقد الدولي، وسط مخاوف من ان تكون الخلافات بين ارقام مصرف لبنان ووزارة المال قد اصبحت في عهدته».
وعليه، كيف يمكن لحكومة «مواجهة التحدّيات» ان تجتاز حقول الألغام المختلفة، ان زاد منها الخلاف على التعيينات الإدارية المطروحة اليوم وتلك المتوقعة. وهو ما يدلّ الى وجود «مرض خبيث» يوحي به السعي الى نسف التركيبة الإدارية السابقة كاملة في عدد من المواقع الحساسة، من دون التطلع الى ما سيؤدي اليه الفشل في تجاوز الأزمة النقدية وتداعياتها على اللبنانيين المهدّدين في قوتهم اليومي، فيما يتلّهى المسؤولون «بتصنيف» جنس الملائكة.