كتب أسامة القادري في “نداء الوطن”:
تحوّلت معابر التهريب بين لبنان وسوريا الى اشبه بمرافئ للميليشيات إبان الحرب اللبنانية، كل مجموعة تصنع اقتصادها الخاص على هامش اقتصاد الدولة.
لم يتوقف التهريب سابقاً وعمره من عمر وجود الحدود بين لبنان وسوريا، الا انه في الفترة الأخيرة مع تفاقمه بات يشكل تهديداً للاقتصاد العام، ويتسبب بأضرار كبيرة على غالبية القطاعات في لبنان منها: الزراعية والتجارية والصناعية، كما يترك التهريب آثاره السلبية في السوق المحلي في ظل انعدام فرص التصدير البري الى الدول العربية التي كانت قبل الحرب السورية منفذاً للبضائع اللبنانية زراعية وصناعية، وبالتالي بات التهريب أحد أوجه استنزاف المال العام، واليد التي “توجع” لبنان وتقبض عليها لابتزازات سياسية على حساب سيادة لبنان واستقلاله.
المزارع اللبناني يدفع الثمن
يتركز التهريب على المواد المدعومة، خلافاً لما كان سائداً في الثمانينات والتسعينات، على اعتبار ان مهنة التهريب كانت مركزة على البضاعة المستوردة، وبالتالي كان تأثيرها في تلك الفترة ايجابياً كونها كانت تدخل العملات الاجنبية الى البلاد مقابل بضاعة مستوردة، أما حالياً فالأمر بات مختلفاً.
أصبح التهريب عملية تستهدف الاقتصاد اللبناني بالعمق وتصيب المال العام، وتجري تحت أعين الدولة واجهزتها وقادتها السياسيين. وبعد تعويم الملف مجدداً، عاد الحديث عن مقايضة وقف التهريب بفتح قنوات اتصال وحوار مع النظام السوري، وتفعيل اتفاقيات تلازم المسارين اللبناني السوري. لم يأبه صاحب نظرية “المقايضة” بأن التهريب ينعكس ارقاماً ضخمة سلبية في الميزان الاقتصادي الوطني، فيؤثر على القطاع الزراعي ويهدده لسببين:
الأول: عبر تهريب الطحين المدعوم ووصل حجم التهريب الى ما يزيد عن 50% من نسبة الاستهلاك اللبناني، كما مع تهريب مادة المازوت المدعوم بكميات ضخمة، ارتفع سعر الصفيحة أكثر من ثلاثة آلاف ليرة، كون الزراعة قائمة على ري مزروعاتها عبر مضخات تعمل على المازوت، وبذلك ترتفع كلفة الزراعة.
الثاني: تهريب الانتاج الزراعي السوري بكميات كبيرة الى لبنان ما ينعكس سلباً على القطاع الزراعي برمته، ويحدث مضاربة ومنافسة قاتلة في الصميم.
رئيس تجمع المزارعين في البقاع
واستعراضاً لتفاقم موضوع تهريب المازوت المدعوم دق رئيس تجمع المزارعين في البقاع ابراهيم الترشيشي ناقوس الخطر، وقال لـ”نداء الوطن” إن “حال الضرر التي وصل إليها المزارع اليوم هي بسبب تهريب المازوت، كونه يسبب احتكاراً ورفع اسعار تتخطى كلفة الدعم لهذه المادة”، وأضاف: “المضحك المبكي أن الدولة تربّحنا جميلة انها تدعم المازوت ليتسنى لنا ري مزروعاتنا”، وسأل: “أين الدعم اذا كان سعر صفيحة المازوت رسمياً أقل من 9 آلاف ليرة فيما المزارع يشتريها بـ12 ألفاً وأكثر؟”.
ليردف: “نحن في الصيف نقوم بريّ مزروعاتنا بأضعاف عن الري في فصل الربيع، يعني كلفة المازوت تتضاعف وأي تلاعب بهذه المادة يهدد الزراعة، التي يكفيها ما تعانيه من أزمات. والزراعة في لبنان باتت مهددة بخاصة عند صغار المزارعين، بسبب ارتفاع الكلفة ومنافسة الانتاج الزراعي الذي يدخل تهريباً عبر منافذ منها رسمية وكثيرة ومنها غير شرعية”.
وسأل الترشيشي: “لماذا الشركات لم تسلّم المازوت للتجار والمحطات خلال الايام الاربعة الماضية رغم ان الصهاريج يلحقها استثناء من التعبئة؟”، وقال: “للأسف لم تسلّم الشركات المازوت لأن المهرّب السوري لم يستطع الحضور الى الشركة، يعني باستطاعة الدولة أن تغلق منافذ التهريب ساعة تريد”.
وأضاف: “من المعيب ان يشتري المزارعون المازوت بـ12 ألفاً بالسعر نفسه الذي يشتريه من الشركة المهربة، وهذا يدحض تصريحات الوزراء الذين يدّعون دعم المزارع فيما تترك الابواب مفتوحة على التهريب”. وقال: “شعرنا الاسبوع الفائت بوجود الدولة من خلال قيام أجهزتها بمصادرة الطحين والقمح والمازوت المعد للتهريب وتحويلها على القضاء”، وتمنى الترشيشي ان تستمر الدولة في هذه الخطوة وألا تتوقف عند هذه المحطة، وشدد على أن “تهريب الطحين والمازوت خط احمر مثله مثل من يسرق فلس الارملة”، وشبهه بكارتيل المازوت بين الشركة والتاجر والمهرب.
وسأل: “لماذا شركات النفط تبيع لتاجر مليون ليتر وآخر لا تبيعه حتى صهريجاً واحداً، هذا لان المهرب يدفع سعراً أعلى بالاتفاق مع الشركة، هناك شركات ترسل المازوت عبر صهاريجها الى نقاط حدودية، وهناك تجار كبار يتفقون مع المهربين ومع الشركة ويدفعون بالدولار أسعاراً أغلى من السعر المحدد فتتم سرقة اللبناني”.
التهريب يقضي على قطاع الدواجن
أما رئيس النقابة اللبنانية للدواجن موسى فريجي، فأكد لـ”نداء الوطن” ان “تهريب بيض المائدة ولحوم الدواجن قضى على 50% من قطاع تربية الدواجن، فيما الـ50% المتبقية مهددة ما لم يتوقف هذا الاستنزاف”. وقسّم فريجي موضوع التهريب من سوريا الى اثنين: تهريب بيض المائدة وتهريب لحوم الدواجن.
وقال: “تهريب البيض منذ اربع سنوات لم يتوقف ابداً، وصلت نسبة التهريب فيه الى درجة توازي الـ 50% من الانتاج اللبناني، وهذا ما سبّب توقف 50% من المزارعين عن انتاج البيض”، مضيفاً: “أصبح البيض المهرّب يتحكم بالسوق اللبناني”.
وفند فريجي بالأرقام الفرق بين البيض المنتج لبنانياً وبين المنتج سورياً، وقال: “كلفة صندوق البيض (360 بيضة)، للمزارع اللبناني بحدود 25 دولاراً، فيما سعر الصندوق المهرب واصل الى المحال لا يتجاوز الـ 17 دولاراً، من هنا تراجع انتاج البيض بعدما كان يكفي السوق اللبناني وحتى كنا نصدّر منه الى بعض الدول الخليجية”، ولفت الى أن “ارتفاع نسبة التهريب الى لبنان تعود إلى انسداد الافق امام البيض السوري من توزيعه في باقي المناطق نتيجة النزاعات الحاصلة، لذا فأي فائض بالانتاج يتم توريده الى لبنان، وبالتالي تقع الخسارة على المزارعَين اللبناني والسوري لانهما بذلك يبيعان بأقل من كلفتهما بكثير”، وأشار الى أن “التهريب تسبّب بتوقف العشرات من مربي الدواجن عن العمل”.
أما بالنسبة إلى تهريب لحوم الدواجن، والذي يحصل على مراحل، فأوضح فريجي: “كل ثلاثة اشهر تأتي كميات كبيرة من اللحوم، فيما تنكفئ في الأشهر الثلاثة التي تليها، لأن الدورة التي تحتاجها الدواجن هي 40 يوماً، فيقع المزارع اللبناني بخسارة تهريب لحوم الدواجن وتصل الخسارة إلى نسبة 20%”.
إنتكاسة قطاع الدخان
وعن تهريب الدخان وانعكاسه التجاري على العاملين في هذا القطاع، قال حمزة طالب، وهو تاجر دخان يحمل ترخيصاً من الريجي، إن “قطاع بيع الدخان تعرض للكثير من الانتكاسات نتيجة التهريب، ويتأثر السوق المحلي لبيع الدخان والتبغ والتنباك بنسبة 35% كأضرار مباشرة، الا ان ادارة التبغ والتنباك استطاعت، وتحديداً، ان تحارب الدخان المهرب، بتطوير العمل من خلال استقدام شركات اجنبية عالمية، وبدأت تصنيع العشرات من الاصناف والماركات، شملت 90% من مجمل أنواع الدخان وتقدمها الريجي بجودة عالمية وبسعر منافس وبإشراف الشركات التابعة لها، وبالتالي اصبحت كلفة الدخان المحلي توازي كلفة الدخان المهرب”.