كتبت ايفا أبي حيدر في “الجمهورية”:
عادت أزمة الكهرباء الى الواجهة مجدداً مع عودة التقنين القاسي الذي يلف المناطق اللبنانية كافة من دون استثناء. لكن، وبعدما دأب أصحاب المولدات خلال الأعوام الماضية على تغطية النقص في التغذية، يبدو انّ المشكلة ستتخذ هذا الصيف بعداً آخر، مع اعلان اصحاب المولدات عدم قدرتهم على الاستمرار في تأمين التغذية، في ظلّ شح المازوت وعدم توفره إلاّ في السوق السوداء.
بين أزمة الفيول المغشوش وإعادة الشحنات الى بلد المنشأ، وأزمة تهريب المازوت الى سوريا وما خلّفته من نقص في الأسواق، تُضاف اليها صعوبة فتح اعتمادات في الخارج بسبب الأزمة المالية التي يمرّ بها لبنان، ضاعت ساعات التغذية القليلة التي تتكرّم بها الدولة على المواطنين. ُيضاف الى كل ذلك، موجة الحرّ التي تضرب لبنان منذ نهاية الأسبوع الماضي، والحاجة الزائدة الى التبريد. كل هذه العوامل أدّت الى تناقص ساعات التغذية الى حدودها الدنيا، فعادت التحرّكات وقطع الطرقات احتجاجاً على هذا الواقع.
والى جانب ازمة الكهرباء المتجدّدة، التي من المتوقع ان تجد اعتباراً من اليوم طريقها الى الحل، تكشفت امس أزمة عند أصحاب المولدات نتيجة فقدان مادة المازوت من السوق، بما يهدّد قدرتهم على تأمين النقص في ساعات التغذية.
من يسرق حصّة أصحاب المولدات من المنشآت؟
كشفت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية»، انّ وزيرة الطاقة والمياه السابقة ندى البستاني، أصدرت قراراً خلال توليها الوزارة سمحت بموجبه لأصحاب المولدات بسحب المازوت مباشرة من منشآت النفط وشرائه بسعر الجملة، لتخفيف بعض الأعباء عن كاهلهم. كما سمح القرار بسحب حوالى مليون ليتر يومياً من المازوت، لكن ما حصل انّ هناك «مافيا» تسحب هذه الكميات يومياً بإسم أصحاب المولدات، في الوقت الذي يعانون فيه من نقص في مادة المازوت.
هذا الواقع يطرح علامات استفهام حول من يسحب هذه الكميات؟ والى اين تذهب؟ وأين تُباع؟ فيما تشير المعلومات الى انّ هذه المافيا، ومنذ حوالى 10 اشهر تقوم بتوزيع حوالى 10 آلاف ليتر يومياً من المازوت في السوق المحلي، فيما تُباع الكمية المتبقية في السوق السوداء او تُهرّب الى سوريا. وطالبت المصادر وزير الاقتصاد التحقق من الموضوع، إذ يكفي ان يطلب من منشأتي طرابلس والزهراني جداول بأسماء وفواتير وكميات المازوت التي سُلّمت تحت مسمّى «أصحاب المولدات» من شهر أيلول حتى اليوم، وعندها ستنكشف الفضيحة.
أصحاب المولدات
ورغم انّه من المتوقع ان تبدأ التغذية بالتحسن تدريجياً اعتباراً من اليوم، الّا انّ مشكلة أخرى بدأت تتكشف، تتمثل بعدم قدرة أصحاب المولدات على تأمين النقص في التغذية كما جرت العادة. وبالفعل، فإنّ بعض أصحاب المولدات، خصوصاً في مناطق كسروان، عمدوا الى إطفاء مولداتهم.
وعن الأسباب يقول رئيس تجمّع أصحاب المولدات عبدو سعادة لـ»الجمهورية»، انّ «النقص في المازوت هو السبب الرئيسي لصرخة أصحاب المولدات وتوقف البعض عن العمل. فالشركات المستوردة للنفط لا تسلّمنا المازوت الّا بتسعيرة 13000 ليرة بدلاً من 9000 ليرة التسعيرة الرسمية. والمازوت غير متوفر الّا في السوق السوداء، لأنّ الكميات الكبيرة تُهرّب الى سوريا». وكشف انّ بعض أصحاب المولدات العاملين في مناطق كسروان أوقفوا مولداتهم. وهذه الخطوة ستطال بقية المناطق اللبنانية ولن تبقى محصورة بكسروان.
وعن سماح وزيرة الطاقة والمياه السابقة ندى البستاني لاصحاب المولدات بسحب المازوت من المنشآت مباشرة وشراء المازوت بسعر الجملة للتخفيف من الاكلاف على أصحاب المولدات، يقول سعادة: «اعترضنا منذ صدور هذا القرار على غياب آلية العمل الخاصة به وافتقاره الى الوضوح والشفافية. فرفضنا السير به، كي لا يُقال انّ مافيا أصحاب المولدات تتحكّم بالمازوت. وربما كان المقصد من هذا القرار تحميلنا هذا النقص بالمازوت الموجود اليوم في السوق. لذا رفضناه من الأساس. ويمكن القول انّ نسبة من استفاد من هذا القرار لا تتعدّى الـ10%».
وحذّر سعادة، من انّه «متى فرغ مخزون المازوت ستُطفأ مولداتنا تباعاً، وفي ظل التقنين القاسي وموجة الحر يمكن القول انّ مخزوننا على وشك الانتهاء». ولفت الى انّ أصحاب المولدات يعتبرون أيضاً انّ «تسعيرة المولدات للشهر الماضي كانت مجحفة في حقهم. لذا طالبنا وزير الطاقة بإعادة النظر بها لهذا الشهر واحتسابها وفق سعر صرف الدولار، والّا فلا يمكننا الاستمرار».
أسباب التقنين.. والحلحلة
من جهة أخرى، برّر وزير الطاقة والمياه ريمون غجر أمس، التقنين القاسي في التغذية التي شهدتها المناطق اللبنانية منذ نهاية الأسبوع الماضي، الى التأخير الحاصل في تسديد الاعتمادات خارج لبنان.
وفي السياق نفسه، أعلنت مؤسسة كهرباء لبنان أنّه، ورغم فتح الاعتمادات المستندية اللازمة لباخرتي الغاز اويل والفيول اويل الراسيتين قبالة الشاطئ اللبناني، فقد تعذّر تفريغ حمولتهما بسبب التأخّر في رفع الحجز المالي Financial hold من قِبل المصارف الأجنبية التي يعتمدها المورّد، الأمر الذي أدّى الى انخفاض مخزون هاتين المادتين الى الحدود الدنيا، بحيث أشرف على النفاد، بما أدّى الى تراجع التغذية بالتيار الكهربائي الى حدودها الدنيا وارتفاع ساعات التقنين في جميع المناطق اللبنانية، بما فيها بيروت الإدارية، خصوصاً وأنّ هذا الوضع ترافق مع ارتفاع كبير في درجات الحرارة التي تجاوزت معدلاتها الموسمية، مما رفع الطلب على الطاقة بشكل كبير.
وكشفت المؤسسة، انّها تبلّغت الثلثاء عبر المديرية العامة للنفط، برفع الحجز المالي عن الشحنتين المذكورتين، بما يسمح بالمباشرة بعملية تفريغ حمولتهما، وتالياً بعودة التغذية الكهربائية تدريجياً الى ما كانت عليه. وتقدّمت المؤسسة باعتذار من المواطنين «عن هذا الوضع الخارج عن إرادتها، وستعلمهم بأي مستجدات في هذا الشأن».