كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
لا الخط الاستراتيجي الواحد ولا الحليف المشترك «حزب الله»، استطاعا تنظيم التعايش او حتى تنظيم الخلاف بين رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل اللذين ذهبا بعيداً في الخصومة، ببُعديها السياسي والشخصي.
يملك كلّ من فرنجية وباسيل لائحة طويلة من الأسباب والشواهد التي تبرر موقفه في مواجهة الآخر وتُحمّله المسؤولية عما آلت اليه علاقتهما المتدهورة.
واذا كانت الانتخابات الرئاسية السابقة قد شكلت منعطفاً حاداً في تلك العلاقة بعدما شاءت الاقدار السياسية ان تضع ترشيح العماد ميشال عون في مقابل ترشيح فرنجية، فإنّ الحسابات المتعلقة بالانتخابات المقبلة ألهَبت جمر النزاع بين «المردة» و«التيار الوطني الحر» وحالت دون نجاح محاولات تبريده، لا سيما انّ المنافسة على رئاسة الجمهورية تضع هذه المرّة فرنجية وباسيل وجهاً لوجه.
وعلى الرغم من أنّ هوية رئيس الجمهورية في لبنان تبقى غامضة حتى ربع الساعة الاخير الذي يسبق الموعد الدستوري للانتخاب، وأحياناً بعد ذلك بكثير، الّا انّ «وساوس» الاستحقاق المقبل وهواجسه بدأت تفعل فعلها منذ الآن، بحيث صار من الصعب فصلها عن أي من الملفات التي تعني الطرفين، كما حصل أخيراً على سبيل المثال في قضية الفيول المغشوش وملاحقة مدير عام منشآت النفط سركيس حليس، فكيف اذا أضيف إلى كل هذه التعقيدات «الصقيع العاطفي» وغياب الكيمياء الشخصية بين فرنجية وباسيل، بفِعل اختلاف الطباع والمزاج.
وعليه، بات متعذّراً في الوقت الحاضر، خصوصاً على مستوى الشارع المسيحي، عزل الاشكاليات السياسية او قضايا مكافحة الفساد عن خطر الاحتكاك بخطوط التوتر العالي الرئاسية، بمعزل عمّا اذا كانت هناك أسباب حقيقية ام مفتعلة لهذا الاحتكاك الذي أدّى وسيؤدي الى نشوب حرائق متفرّقة على طريق بنشعي – ميرنا الشالوحي.
بالنسبة إلى «التيار الحر»، يتعمّد فرنجية «شَخصنة معركة مكافحة الفساد وإعطائها طابع الاقتصاص منه، كلما اقتربت من المحيطين به، متجاوزاً بشكل علني وصريح دور القضاء ومفهوم المحاسبة» بينما أثبت باسيل، تبعاً لأنصاره، «أنه لا يغطي احداً من الفاسدين، بل ذهب ابعد من ذلك وتحدّى خصومه بأن يثبتوا تورّطه في ملف فساد واحد، الأمر الذي عجزوا عنه». ويعتبر «التيار» ان «لا حاجة أساساً ليعمد الى استهداف فرنجية ومحاصرته وفق ما يجري اتهامه»، إذ في رأيه انّ «تصرفات رئيس المردة تعفي خصومه من عناء بذل أي جهد في مواجهته، وتتكفّل بمنحهم الهدايا السياسية المجانية».
وينظر «التيار» الى فرنجية في «اعتباره جزءاً من منظومة المصالح السياسية التقليدية التي تَضم، بحسب المنظار البرتقالي، شركاء متعددي الطوائف والمواقع، يَسعون باستمرار الى عرقلة مشاريع الإصلاح والتغيير، حتى اشتهر التيار بمقولة «ما خَلّونا…».
واذا كان البعض يعتبر انّ المشكلات التي يواجهها باسيل مع عدد من القوى الداخلية الاساسية (الحزب التقدمي الاشتراكي، القوات اللبنانية، تيار المردة، تيار المستقبل، وأحياناً حركة أمل…) إنما تؤشّر إلى أنّ الرجل اصبح عبئاً على الصيغة اللبنانية المرهفة ومعظم المكونات السياسية، فإنّ «التيار» يرى انّ تلاقي كثير من القوى السياسية حول التصدي لرئيسه هو «أكبر دليل على انه لا يشبهها وانه يشكّل خطراً على شبكة المصالح المشتركة التي تجمع بينها، وإن تبدو متباعدة بمعايير الاصطفاف السياسي».
وينفي «التيار» ان يكون هاجس الرئاسة هو ما يحرّك باسيل الذي «يؤكد انّ الأولوية في هذه المرحلة هي لبقاء الجمهورية وليس للتنافس على رئاستها بعد انتهاء الولاية الحالية، إذ ما نفع الرئاسة اذا تحوّلت الجمهورية كومة أنقاض».
وما يستوقف التيار هو أنّ «فرنجية يصرّ على الاستهداف المباشر والمتكرر لباسيل الذي بات يشكل هاجساً للآخرين، في حين لا يزال رئيس التيار يتجنّب الدخول في سجال شخصي مع فرنجية، وهو نادراً ما يشير إليه بالاسم في مواقفه».
منطلقات «المردة»
امّا «المردة» فهو مقتنع بأنّ «التيار الحر» والعهد يخوضان ضده معركة سياسية بامتياز، إنما مغلّفة بقشرة قضائية رقيقة، لزوم التمويه.
وبناء على هذه المقاربة، يعتبر «المردة» انّ الهدف المضَمر من التصويب على مدير عام منشآت النفط سركيس حليس ليس سوى إصابة فرنجية كمرشح قوي الى رئاسة الجمهورية، وما عزّز هذا الشعور لدى بنشعي هو التقاطع المريب، في رأيها، بين 3 عوامل:
الاصرار على ملاحقة حليس في ملف تبيّن انه فارغ ولا ينطوي على أي دليل يُدينه، التعامل بسلبية تامة مع المخارج القانونية التي جرى اقتراحها من قبل المردة، الانتماء السياسي العوني لكلّ من مقدّم الإخبار المحامي وديع عقل ومدّعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون وقاضي التحقيق نقولا منصور.
وما رفع منسوب الشبهات، من وجهة نظر المردة، هو حصر المساءلة في بعض المديرين والموظفين وتحويلهم كبش محرقة لِطَي ملف الفيول المغشوش عند هذه الحدود وحماية وزراء التيار الذين تعاقبوا على وزارة الطاقة ومرجعيتهم السياسية، «لكنّ فرنجية رفض أن يشارك في هذه اللعبة، وبقي ثابتاً على مبدأ الوفاء لمَن يثق فيهم وفي نزاهتهم، كما فعل مع حليس، بمعزل عن الكلفة السياسية لهذا الموقف وأثره على موقعه في السباق الى قصر بعبدا».
ويشدّد «المردة» على أنّ فرنجية «لن يكون للحظة رهينة الطموح الرئاسي ولن يخضع الى أي ابتزاز في هذا المجال، وبالتالي هو ليس في وارد أن يبني مواقفه على أساس حسابات الربح والخسارة».
والواضح، وفق العارفين، انّ فرنجية تصرّف على اساس انه لا يستطيع أن «يوَطّي حيطه»، لثقته في انه لو فعل ذلك لن يرحموه وسيستكملون الانقضاض عليه في عقر داره. ومن هنا، فإنّ إصراره على عدم التخلّي عن حليس يأتي في اطار تثبيت خط الدفاع الأول عن بنشعي، وإيصال رسالة واضحة الى من يهمه الأمر، فحواها انّ «لحمي ليس طريّاً ولا يؤكَل».
لكنّ دخان الهجوم الحاد على باسيل لم يحجب عن فرنجية الخطر السياسي المتأتي من أماكن أخرى، وهو الذي يعرف انّ هناك من يريد ان يحترق اسميهما معاً في موقدة التنافس الرئاسي، لإفساح المجال أمام تقدم خيارات أخرى. وبالتالي، يعرف رئيس «المردة» انّ بعض من يصفّق لمواقفه، خصوصاً لدى جانبٍ من أوساط 14 آذار، لا يفعل ذلك حبّاً به وإنما سعياً الى استثمار فرصة محتملة للتخلص دفعة واحدة من المرشحين الاثنين اللذين ينتميان الى الخط الاستراتيجي العريض لفريق ٨ آذار و«التيار».
غير أنّ ما يُطمئن المتحمّسين لفرنجية هو ثقتهم في أنّ هناك تقاطعاً محلياً وإقليمياً ودولياً حوله، بدرجة مريحة، أقله بناء على معادلات المرحلة الحالية، ما يعزّز أوراقه ويحسّن شروط معركته الرئاسية، على الرغم من كل محاولات التشويش والتشويه التي تتعرض لها طروحاته، كما حصل بعد مؤتمره الصحافي.
وفيما يعتبر «التيار» انه لا يمكن تجاهل كونه الأوسع تمثيلاً في الوسط المسيحي، عند محاكاة الاستحقاق الرئاسي، يفترض «المردة» انّ هذه المعادلة التي تعود إلى ما قبل 17 تشرين الأول قد تغيّرت، وانّ الانتخابات النيابية المقبلة ستثبت ذلك.