كتبت راكيل عتيّق في صحيفة “الجمهورية”:
أوصل رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع العماد ميشال عون حليف «حزب الله» الى كرسي رئاسة الجمهورية، وشارك في التسوية الرئاسية عام 2016، وهي «تسوية المحاصصة». لكن تحرّكه السياسي وأفعاله تناقض مواقفه «المتناقضة» أساساً. هذا ما يقوله معارضون وحتى «قواتيون» لا يؤيّدون انتخاب عون رئيساً ومشاركة «القوات» في الحكومات الى جانب قوى الثامن من آذار. ويسألون: «كيف يُعارض جعجع العهد ويرفض إسقاط عون؟ وكيف يعتبر أنّ حكومة الرئيس حسان دياب غير قادرة على العمل والإنجاز بسبب «الثلاثي المرح» الذي يتحكّم بها، أي «حزب الله» وحركة «أمل» و»التيار الوطني الحر»، ولا يسعى الى تغييرها»؟
تعتبر «القوات» أنّ الأولوية الآن هي لمعالجة الأزمة المالية وإخراج لبنان من الواقع الراهن الكارثي. وبما أنّ لبنان لا يتحمّل أيّ هزة أو خضّة، وهو أمام انهيار شامل، وفي ظلّ تفاوض الحكومة مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات مالية، وفي ظلّ الأزمتين الصحية والإقتصادية اللتين تسبّب بهما فيروس «كورونا»، وكلّ الأوضاع المعقّدة والمتشابكة، فالأولوية أيضاً، حسب «القوات»، هي لمواجهة الفقر والعوز والجوع وإخراج لبنان من أزمته. لذلك، ما زالت «القوات»، حتى الآن، تعطي فرصةً لـ»حكومة مواجهة التحدّيات» لإخراج لبنان من أزمته.
وعلى الرغم من أنّ جعجع يعتبر أنّ «أداء الحكومة ليس جيّداً، وبقيت خططها ومشاريعها حتى اللحظة «كلاماً بكلام» بعيداً من أيّ أفعال حقيقية وقرارات تنفيذية مُطالبة بها، إلّا أنّ «القوات»، وفي مطلق الحالات، تعتبر أنّ الأزمة المالية تعلو ولا يُعلى عليها، ويجب إخراج لبنان منها سريعاً لتجنيب اللبنانيين الجوع.
أمّا بالنسبة الى «إسقاط» عون، المطلب الذي يرفعه جزء من «ثوار 17 تشرين»، وجهات معارضة عدة، ومنها أحزاب وشخصيات مسيحية كانت من ركائز قوى 14 آذار، مثل حزب «الكتائب اللبنانية» والنائب السابق فارس سعيد..، فلا تجاريه «القوات»، على رغم تأكيد جعجع من القصر الجمهوري أنّ العلاقة مع العهد مقطوعة. إذ إنّ المدخل الأساس لإعادة إنتاج السلطة بكاملها، بالنسبة الى «القوات»، يكمُن في إجراء انتخابات نيابية مبكرة.
وانطلاقاً من وجهة النظر هذه، صوّت نواب تكتل «الجمهورية القوية»، في الجلسة التشريعية الأخيرة التي عُقدت في قصر «الأونيسكو»، مع إقتراح القانون الرامي الى تقصير ولاية مجلس النواب وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، الذي قدّمته كتلة «الكتائب».
وقد أبلغت «القوات» الى القوى السياسية معارضتها عهد عون وانقطاع العلاقة معه، إلّا أنّها لا تنظر الى أنّ الهدف التغييري الأساس يقتصر على حدود إسقاط رئيس الجمهورية، من دون التفكير في هوية البديل لعون. فهي ترفض أن «يكون الفراغ هو البديل الرئاسي في لحظة كارثية، خصوصاً على المستوى المالي، فضلاً عن أنّ هذه الخطوة قد تشكّل فرصة للبعض للذهاب في اتجاهات وخيارات محدّدة، لا تخدم المرحلة السياسية التي يجب أن يعبر إليها البلد، في ظلّ إمتلاك السلطة نفسها الأكثرية النيابية».
وبالتالي، إنّ أيّ بحث في «إسقاط» عون، يحتّم الإتفاق على كلّ النقاط المتصلة بهذا الفعل، وعلى «ماذا بعد عون؟»، حسب مصادر «القوات»، التي تقول: «يجب التفكير في المرحلة التي ستلي الرئاسة الأولى والحكومة بكلّ تفاصيلها وحيثياتها، وأن تكون هناك خطة متكاملة العناصر، لا أن يكون الهدف محدّداً بـ»الإسقاط» فقط، في لحظة كارثية على البلد والجميع».
انطلاقاً من هذا التفكير، سبق أن أعلنت «القوات» أنّها مع إجراء إنتخابات نيابية مبكرة، ولم تقدّم إقتراح قانون في هذا الخصوص، لأنّ هناك إقتراح قانون قدّمته «الكتائب». وهي «لا تحاول التذاكي على غرار بعض القوى الصغيرة التي تقدّم إقتراحات قوانين بغية التأكيد أنّها موجودة. وتتعامل بشفافية وبعيداً من أيّ عِقد نفسية أو ذاتية، وتؤيّد الفكرة التي يجب أن تؤيّدها وتعارض الفكرة التي يجب أن تعارضها، بمعزل عمن أيّدها أو قدّمها أو عارضها، بعيداً من الشخصنة التي يتعامل فيها البعض»، حسب المصادر «القواتية» نفسها.
وتعتبر «القوات»، أنّ هناك مصلحة في إجراء هذه الانتخابات لأسباب ثلاثة:
– الأوّل، سبب وطني عام يتعلّق بـ»الثورة». فعندما يحصل أيّ تغيير في المزاج الشعبي وفق أحداث سياسية، يجب إجراء انتخابات نيابية مبكرة، وهذا ما حصل في لبنان منذ 17 تشرين الأوّل 2019، ومن حق الشعب اللبناني أن يعبّر عن نفسه وتوجّهاته في انتخابات مبكرة.
– الثاني، من طبيعة سياسية ـ مالية، لأنّ الأكثرية الحاكمة أوصلت البلد الى الإنهيار، وهذه الأكثرية متمسكة بالسياسات نفسها وباستمرارها في السلطة، انطلاقاً من أنّها تملك الأكثرية النيابية، وبالتالي يجب إجراء انتخابات لتغيير هذه الأكثرية وتأليف حكومة قادرة على إخراج لبنان من كبوته وأزمته المالية، وهي حكومة إختصاصيين مستقلين بعيداً من القوى السياسية.
– الثالث، نجحت «القوات» في الانتخابات النيابية الأخيرة في تكوين كتلة من 15 نائباً، وهي تعتبر أنّها حسب المزاج الشعبي العام، ستحصد مزيداً من المقاعد النيابية في أيّ انتخابات مقبلة. وهي متحمسة لخوض هذه الانتخابات، وبدأت العمل منذ لحظة إقفال صناديق الإقتراع في أيار 2018، و»تعدّ العدّة» تحضيراً للإنتخابات النيابية المقبلة.
لا شك في أنّ «البوانتاج» الذي تجريه «القوات» يخوّلها جسّ النبض الشعبي تجاه حراكها ومواقفها السياسية، إلّا أنّ البعض يعتبر أنّ الإستحقاق الرئاسي المقبل في عام 2022 يُشكّل بوصلة العمل الأساسية لجعجع، الذي مهما رفع سقف المعارضة، يحفظ «طريق الرجعة» مع كلّ القوى السياسية الأساسية في البلد.