كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن:”
بلغة الضحية، ولكن الحريص والجدّي قدّمت جمعية المصارف مقاربتها، التي قد تكون أقرب إلى خطة اقتصادية فعلية لإخراج لبنان من الأزمة التي يواجهها، من تلك التي قدمتها الحكومة. خطة كانت لتنزل برداً وسلاماً على رأس كل من يقرأها، لولا تورط المصارف بخطيئة الجشع القاتلة، من خلال مرافقة الدولة وتقديم يد العون لها في مشوارها التفليسي للبلاد والعباد.
مجيء خطة المصارف متأخرة خير من ان لا تأتي. فعدا عن كونها “أم الصبي”، حملت رؤية ثاقبة لكيفية خروج البلد من أزمته وتفعيل القطاعات الانتاجية وهندسة القروض الداخلية.
مبررات وضع ورقة نقيضة لخطة “الانتعاش الحكومية”، لا تتعلق بإقصاء المصارف عن الحل وتحميلها اللائمة فحسب، بل لان الخطة الحكومية تنطوي على ثغرات عدّة من شأنها أن تقود البلاد، في حال تنفيذها، الى كارثة اجتماعية واقتصادية.
خطة المصارف بنيت على كفتي ميزان: اطلاق الاصلاحات الهيكلية و”تجنّب التخلف عن سداد الديون الداخلية”، لانه إذا “غرق لبنان في انكماش اقتصادي حادّ من جرّاء التعثّر الداخلي، فلن يظهر ضوءٌ في نهاية النفق. والتخلّف عن السداد الداخلي من شأنه أن يخفّض إنتاجنا إلى مستوى أدنى منه في اليمن وكمبوديا، وسيعاني شعبنا من الفقر طوال العقد المقبل”، يقول بيان الجمعية. في حين الالتزام بتسديد الديون الداخلية يمكن أن يحقّق نمواً اقتصادياً كبيراً بنسبة 5 إلى 6 في المئة سنوياً وتسجيل ميزان المدفوعات توازناً بحلول العام 2024.
مقابل BAILIN الذي تقترحه الخطة الحكومية، أي تمويل عجز المصارف من اموال المودعين، ركزت خطة المصارف على BAILOUT من خلال انشاء صندوق حكومي “GDDF” بقيمة 40 مليار دولار من اصول الدولة، يصار من خلاله إلى إصدار أوراق مالية مضمونة طويلة الأجل بقيمة 40 مليار دولار، يحملها مصرف لبنان مقابل التسوية النهائية لدين الحكومة لصالح المصرف المركزي. في المقابل، يشطب الصندوق للحكومة كامل محفظة الديون المشار اليها أعلاه، مقابل الأصول التي ساهمت بها الحكومة في الصندوق ويتمّ تحويل رصيد إيرادات الصندوق الى الخزينة العامة بعد أن يسدّد الصندوق الفوائد المتوجّبة لمصرف لبنان.
إذا، برأي المصارف فان على الدولة انتزاع “شوكة” التخلّف عن سداد الديون من عينها قبل النظر الى “القشة” في عيون المصارف. محاولة المصارف تبييض صورتها تقابلها علامة استفهام كبيرة لن تمحوها كل محاولات التنصّل من المسؤولية عن استمرارها في إقراض الدولة “الفاشلة” والمشكوك بقدرتها على رد الاموال. وهو الامر الذي لم يقتنع به اليوم “سيدر”، ولن يتورط به صندوق النقد الدولي من خلال عدم اظهار قرش واحد من دون إصلاحات جدية.
الواقعة وقعت والصراع يشتد على من “يلبس” التهمة، وبالتالي يتحمل كلفة الحل، ليبقى الثابت الوحيد ملايين اللبنانين مصابون بالإحباط ويرزحون تحت خط الفقر، ولا يرون أي ضوء في نهاية النفق الذي أدخلتهم فيه طبقة سياسية فاسدة.