كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
كان من الطبيعي ان تصل الامور الى حد الانفجار فيظهر ذاك التباين الكبير في وجهات النظر ويصبح البلد مقسوماً بين محورين، المصرف المركزي وجمعية المصارف والهيئات الاقتصادية من جهة والحكومة من الجهة المقابلة. ما حصل في لجنة المال لم يكن مشهداً عابراً بقدر ما يعكس واقع الحال والتخبط الموجود ما جعل الخلاف يتفجر في اجتماع اللجنة النيابية ويتظهّر في الارقام وهو ما كشف عنه رئيس اللجنة ابراهيم كنعان بقوله “هناك تباينات كبيرة. الخسائر من قبل الحكومة تقدر بـ 200 ألف مليار، في حين تقدرها الجهات الأخرى بـ 100 الف مليار”. وهل يعقل ان يكون الاختلاف في تقدير الارقام بهذا الحجم؟
تكمن المشكلة في تعنت الحكومة برفضها لغاية اليوم الانفتاح على حاكم مصرف لبنان والمصارف والتفاوض معهما أقله من باب إشراكهما في تحمل المسؤولية. وأكثر من ذلك هناك من يعمل على توسيع رقعة الخلاف بين حاكم مصرف لبنان والحكومة ونقل هذا الخلاف الى العلاقة بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري والحاكم بدليل ما تناهى الى مسامع رئيس المجلس من أخبار تتحدث عن عدم تعاون سلامة مع صندوق النقد. وهو ما دفع رئيس المجلس لأن يلتقي سلامة والاستفسار عن الموضوع. ونُقل ان سلامة أوضح لبري ان ما من سبب لعدم التعاون وانه على العكس ابدى كل تجاوب مع صندوق النقد خلال المفاوضات. وتابع شارحاً، اذا كان ثمة اختلاف في الارقام فهذا لا يعني عدم وجود تعاون، ففي الإجتماعات التحضيرية شارك وفد مؤلف من كبار المسؤولين وأهم مدراء في المصرف المركزي وليس صحيحاً ما تردد عن ضعف المشاركة. ونفى سلامة ان يكون الوفد بادر للحديث خلال المفاوضات عن الارقام وهو كان طلب اليهم عدم التطرق للتباين الموجود مع الحكومة الا حين يوجّه اليهم السؤال وهكذا حصل وهم اجابوا على سؤال وقالوا ان أرقام الحكومة ليست دقيقة وهي تختلف عن أرقام مصرف لبنان.
واستغربت مصادر تابعت لقاء سلامة مع رئيس المجلس المعلومات المغلوطة التي وضعها البعض في عهدة بري بأن الحاكم غير متعاون ما دفع بري للطلب اليه بأن يكون متعاوناً وهو ما اكد عليه الحاكم نافياً ان يكون قلل من حجم تمثيل وفد المصرف المركزي في الجلسة الاولى.
النقطة الاضافية في النقاش بين بري وسلامة تمثلت في علاقة مصرف لبنان مع وزير المالية غازي وزني ورغبة الحاكم بشرح وجهة نظره حول الخلاف على الارقام الواقع بينه وبين وزير المالية. ويعتبر الحاكم هنا ان التباين الحاصل بالارقام مع وزارة المالية لا يفسد في الود قضية.
يسجل لبري طلبه الاستماع الى الحاكم لإستيضاح معلومات توافرت له وللوقوف على حقيقة الموضوع في وقت لا يزال التباعد قائماً بين حاكم المركزي ورئيس الحكومة وهو ما دفع أحد الديبلوماسيين الى سؤال شخصية اقتصادية ومالية رفيعة هل يعقل ان يضع رئيس حكومة نفسه في مواجهة مسؤول مؤسسة حكومية وكيف لا يجلس اليه ويناقشان المشكلة سوية بناء لصلاحياته؟
وحده بري ومعه رئيس “الاشتراكي” وليد جنبلاط وقفا الى جانب سلامة وتصديا للهجوم الذي تعرض له. قبل نحو شهر تقريباً كانت زيارة سلامة الى عين التينة حيث بحث مع بري “سبل تحصين أموال المودعين لا سيما الصغار منهم”. ظروف كثيرة وتطورات حصلت منذ الزيارة الاخيرة وزيارة الأمس كان اهمها تلك الهوة في العلاقة التي تفصله عن رئيس الحكومة حسان دياب الذي لم يجتمع مع الحاكم منذ نشوء الازمة بينهما وخطاب دياب الشهير الذي اتهم فيه الحاكم بالتضليل.
وفي ظل العلاقة الباردة بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والمقطوعة بينه وبين دياب الذي لا يزال مصراً على إقالته، لم يجد حاكم المصرف المركزي الا بري الذي تشاور معه في الامور المالية والنقدية، حيث وضعه الحاكم في اجواء جلسات المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. عند أكثر من مفترق وقف بري الى جانب الحاكم ولا يزال. بعث بأكثر من رسالة الى من يعنيهم الامر وضمنهم الحكومة أن الاطاحة بالحاكم خط احمر. ويكفي للدلالة تصريحه الشهير يوم حذّر من أن الاطاحة بالحاكم المركزي قد تجعل سعر صرف الدولار يلامس 15 الف ليرة، فضلاً عن تصويت وزرائه داخل الحكومة اعتراضاً على إقالة سلامة من منصبه. مقتنع بري ان لحاكم مصرف لبنان دوراً يمكن ان يلعبه في معالجة الأزمة وهو لا يزال على رأيه من أن تغييره يحتاج الى تفاهم وطني وسياسي. بالمقابل ثمة من يعيد التأكيد أن لدى سلامة فعلاً رؤيته للحل المنطقي والموضوعي والعملي للخروج من الأزمة لكن لم يسأل عنه بعد ولا حتى أثناء لقائه مع بري، فالسؤال هو لماذا لا يبادر الحاكم من موقع المسؤول الى اعلان تصوره هذا ووضعه بتصرف المسؤولين والرأي العام أقله من باب حفظ حق الدفاع عن نفسه؟