على رغم انطلاق المفاوضات بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي، يبدو ان بعض أهلها لا يزال غير مقتنع بهذا الخيار. التباين واضح في المواقف بين المكونات الوزارية في شأن المداولات. فبينما يعمل رئيس مجلس النواب نبيه بري جاهدا لرأب الصدع بين المصرف المركزي والحكومة ويسعى الى توحيد الارقام بينهما لتعزيز موقع لبنان في المفاوضات، وحظوظه في الخروج منها “غانما”، حزب الله على غير موجة. فهو وإن رفع الفيتو من امام التفاوض مع الصندوق الا انه لا يزال حذرا حياله، كي لا نقول انه يبطن نوايا أو تمنيات بفشله، فيكون البديل الانعطاف شرقا والانفتاح والتعاون مع دول المحور المقاوم الممتد من سوريا الى العراق وايران وصولا الى الصين. وفي هذه الخانة، يصب موقف كتلة الوفاء للمقاومة التي دعت امس “الحكومة اللبنانية وهي تفاوض الجهات والمؤسسات والدول حول ما يلزم من مساعدة لتنفيذ خطتها الاقتصادية، الى أن تكون واثقة تماماً بوجود خيارات بديلة، حتى لا تقع فريسة الوهم بعدم وجود بدائل، وكي لا تخضع لمحاولات بعضهم الضغط عليها لتقديم تنازلات مرفوضة”. وأكدت في اجتماعها الأسبوعي أن “الحرص على العلاقات الجيدة مع الدول ينبغي أن يظهر متبادلاً وإلا يصبح ارتماءً أعمى في حضن المبتزّين”.
في الموازاة، يكثر الحديث في إعلام “الممانعة” ايضا عن اتصالات لاجتماع سيضم قريبا في بغداد مسؤولين عراقيين وسوريين ولبنانيين، وايضا اردنيين، لاقامة سوق مشتركة توضع لها ضوابط تبادليّة جمركيّة خاصة وتسهيلات لتبادل الطاقة الكهربائيّة والنفط وصيغة لتسعير بيني للعملات يتيح تنقل المواطنين واستعمال عملتهم الوطنية.
على اي حال، رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بدوره، شجّع على الانفتاح على المشرق في خطابه الاحد الماضي، في وقت غرد اليوم وزير الصناعة عماد حب الله عبر تويتر قائلا “إن امننا الغذائي والصناعي والمجتمعي ونجاح صناعيينا ومزارعينا وتجارنا لن يتحقق الا بانفتاحنا شرقا، لنتجه شرقًا ولن ننتظر إشارة من أحد، ولمن ينتظرون إشارة، كلهم سبقونا!” أضاف: “لنتجه شرقا عبر سوريا باتجاه دول الخليج والعراق وباقي الدول العربية والشرقية الصديقة. ولتنعم منتجاتنا بذواقيها وامتدادات لبنان الطبيعية والتاريخية. ولنتجه شرقا ما بعد سوريا والعراق والخليج لنخفف ضغط الدولار على الليرة ولنضرب التهريب والتهرب والاغراق”.
فهل التباينات بين الاسرة الحكومية، “شكليّة”، يريد من خلالها فريق 8 آذار التذكير بأنه قادر على “الاستغناء” عن الغرب وعن دعمه، ام انها حقيقية؟ الافضل وفق ما تقول مصادر سياسية متابعة لـ”المركزية” ان تكون للمزايدة لا اكثر. فعمليّا، التعاون مع “المشرق” المزعوم، لا طائل منه، ولا منفعة فيه، حتى أنه غير قابل للتحقيق! فالصين تحت عقوبات اميركية قاسية، تماما كما ايران التي اضطرت الى طلب نجدة “الصندوق” بعد ان فتك فيها كورونا. أما سوريا، فليرتها تنهار واقتصادها “حدث ولا حرج”، ووضعها سيزداد سوءا مع دخول قانون “قيصر” الاميركي، حيز التنفيذ، خلال ايام قليلة. اما العراق، فممزّق سياسيا وعسكريا، ويشهد ثورة منذ اشهر ضد الفساد والاوضاع المعيشية الصعبة التي أوصلت اليها السلطات المتعاقبة الناس، على غرار ثورة “17 تشرين” اللبنانية… فهل دول محاصرة وضعيفة، قادرة على ان تحل مكان المجتمع الدولي والغربي، وتؤمّن للبنان المليارات التي يحتاج، للخروج من المأزق المالي – الاقتصادي غير المسبوق الذي يعيشه؟!
فشل او إفشال المشاورات مع صندوق النقد، سيرمي لبنان في المجهول. ومَن يراهن على ان يكون “المشرق” بديلا صالحا، غير عاقل، كي لا نقول “مجنون”، مستعد للمغامرة او “المقامرة” بمصير البلاد والعباد، على طاولة حسابات سياسية – استراتيجية، لا علاقة لها بالانقاذ والتعافي الاقتصادي.. وهذه لعبة خطيرة، تختم المصادر.