كتبت بولا أسطيح في صحيفة الشرق الأوسط:
لم تُسهم التدابير التي اتخذتها الحكومة اللبنانية مؤخراً لتخفيف الإجراءات المشددة التي كانت متخذة في إطار «التعبئة العامة» لمواجهة فيروس كورونا، في أحياء الحركة الاقتصادية عشية عيد الفطر. فرغم فتح المطاعم والمسابح أبوابها بعد فترة طويلة من الإقفال، ظل الإقبال عليها محدوداً جداً، فيما كان معدوماً في بعضها، نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الذي ترافق مع المخاوف المستمرة من الوباء.
وبعدما اعتاد اللبنانيون سنوياً عشية عيد الفطر على التهافت إلى محال بيع الألبسة والمؤسسات التجارية الأخرى، شهدت هذه المحال حركة خجولة جداً. وقالت نايلة الخطيب (34 عاماً)، وهي أم لولدين، لـ«الشرق الأوسط» إن الأفضل «إبقاء القرش الأبيض لليوم الأسود، وإن كنا لم نشهد منذ الحرب الأهلية أياماً بهذا السواد»، وأضافت: «ما يعنينا حالياً تأمين الطعام والتعليم لأولادنا، وما تبقى أصبح كماليات، حتى الملابس».
ووصف رئيس «جمعية تجار بيروت»، نقولا شماس، الأيام التي تسبق عيد الفطر بـ«الفترة الجوهرية» بالنسبة للقطاع التجاري «لذلك تمنينا على رئيس الحكومة فتح المؤسسات، مع تأكيدنا الالتزام بكل التدابير الوقائية، إلا أنه للأسف الحركة لا تزال شبه معدومة، فقد تراجعت نحو 80 في المائة عما اعتدناه في هذا الوقت من كل سنة».
وقال شماس لـ«الشرق الأوسط»: «أكثر من عامل يعاكسنا، فبالإضافة لكورونا هناك الانهيار الاقتصادي الذي أدى لتراجع الطلب نتيجة تراجع القدرة الشرائية مع انهيار الليرة، كما لتراجع العرض نتيجة القيود المصرفية المفروضة على التجار الذين لم يعودوا قادرين على تحويل الأموال للموردين… وهو ما يجعل السواد الأعظم من الشركات التجارية على طريق التعثر».
ورفع أصحاب المؤسسات التجارية والسياحية الصوت عالياً بنداءات استغاثة متواصلة، فيما أعلنت نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري صراحة أن «مراسيم تشييع القطاع قد بدأت»، منتقدة عدم التفات الحكومة إلى لائحة المطالب التي تقدمت بها للنهوض بالقطاع.
وأشار الأمين العام لاتحاد المؤسسات السياحية في لبنان، جان بيروتي، إلى أنه ليس قطاع المطاعم وحده الذي يتم تشييعه، فقد سبقته قطاعات أخرى، لافتاً إلى أن القطاع السياحي ككل في حالة موت سريري نتيجة وباء «كورونا»، كما نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب.
وقال بيروتي لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كانت باقي البلدان قادرة على الخروج مما خلفه كورونا، قد يصعب علينا ذلك كلبنانيين لأننا نعتمد بشكل أساسي على الزبون اللبناني».
وأوضح بيروتي، وهو نقيب أصحاب المجمعات السياحية البحرية أيضاً، أن 10 في المائة من المطاعم التي عادت للعمل لم تشهد إقبالاً على الإطلاق، لذلك قد تنخفض نسبتها إلى 5 في المائة، أما المؤسسات البحرية فلم تستقبل حتى الساعة إلا 10 في المائة من الزبائن الذين اعتادت استقبالهم في السنوات الماضية خلال هذه الفترة.
وأضاف: «نحن نتمنى على أصحاب المؤسسات السياحية عدم رفع تذاكر الدخول إلا إذا اقتضى الأمر، ليشمل حصراً ارتفاع بعض الكلفة، أما خلاف ذلك فسيتم التشهير بهذه المؤسسات».
وسُجل خلال الفترة الممتدة من الأول من سبتمبر (أيلول) 2019 حتى الأول من شباط 2020 إقفال ما يناهز 800 مؤسسة تتعاطى الطعام والشراب، بينها 240 أقفلت في شهر كانون الثاني وحده. ويُدخل قطاع المطاعم إلى الدورة الاقتصادية بالبلد، بحسب «الشركة الدولية للمعلومات»، 5 مليارات دولار، ويساهم بنسبة 10 في المائة من الناتج المحلي.
وتتخبط الحكومة اللبنانية بين اقتناعها بوجوب الإبقاء على التدابير المشددة للتصدي لموجة ثانية من كورونا، ورضوخها للواقع الاقتصادي المتداعي، ما يحتم إعادة فتح المؤسسات لإنقاذ ما تبقى منها، وهو ما أدى أخيراً لشد حبال بين الوزارات. ففيما تبدو وزارتا الداخلية والصحة أكثر تشدداً، تسعى وزارة السياحة للتخفيف من الإجراءات، ما انعكس بيانات متضاربة بين «السياحة» و«الداخلية» بخصوص استثناء السيارات المعدة للتأجير من قرار تقييد حركة سير السيارات والآليات، بحسب أرقام اللوحات.
وردت مصادر معنية ما حصل إلى عدم رغبة «الداخلية» بالسير بأي استثناءات تؤدي لمطالبة قطاعات أخرى باستثناءات مماثلة. وأكدت مصادر الوزارتين أن التنسيق قائم مميز بينهما، كما مع باقي الوزارات، والقرار النهائي بخصوص التخفيف من إجراءات التعبئة أو تعديل المواعيد المحددة لباقي مراحل رفع «التعبئة» يعود لمجلس الوزراء مجتمعاً.