فجأة، وفي توقيت مريب وليس بغريب، أطل المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في رسالة عيد الفطر ليقول: “نؤكد أن أصل نشأة لبنان تمّ على أساس طائفي واستبدادي، بوظيفة خدمة المشروع الاستعماري والاحتكاري، وهذه الصيغة انتهت، وما قام به بشارة الخوري ورياض الصلح لم يعد يصلح لدولة إنسان ومواطن، بل أيضاً مرحلة وانتهت!”
ما يتجنّب الثنائي الشيعي “حزب الله” وحركة “أمل” قوله صراحة أوكلاه إلى الشيخ قبلان، وهي ليست المرة الأولى التي يعتمدان فيها هذا الأسلوب. الإشكالية الكبرى في كلام قبلان تتمثل في الإجابة على السؤال الآتي: هل يأتي كلامه ردّاً على المطالبات المتزايدة بالفدرالية في لبنان أم نعياً واضحاً ونهائياً لصيغة المناصفة التي كرّسها اتفاق “الطائف”؟
الاحتمال الأول في أن يكون هذا الكلام العالي النبرة ردّاً على المطالبات بالفدرالية وارد ومنطقي لأنه لطالما اعتمد الثنائي الشيعي على هذا الأسلوب، ولا يمكن أن ينسى اللبنانيون المعادلة التي قامت في التسعينيات على أن يرفع الرئيس نبيه بري والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى نغمة المطالبة بإلغاء الطائفية السياسية في كل مرة كان يطالب المسيحيون بقيادة بكركي بالانسحاب العسكري السوري من لبنان. وبالتالي فأن يحاول الثنائي الشيعي إقامة توازن في مواجهة المطالبين بتطبيق الفدرالية اليوم أمر مفهوم، وخصوصا أن الثنائي الشيعي بات يعتبر أن لبنان كله بات تحت سيطرته ولا داعي لتقاسمه مجدداً بصيغة فدرالية أو غيرها.
والاحتمال الثاني أن يكون هدف كلام الشيخ قبلان المطالبة العلنية بتغيير النظام على قاعدة التوازنات الجديدة التي أرساها الثنائي الشيعي والمبنية على ثنائية هيمنة السلاح والعددية، في غاية الجدية، وهو ما يسعى “حزب الله” بقوة وجدية إلى محاولة تكريسه قبل حصول أي تغييرات جوهرية في التوازنات في المنطقة، وخصوصاً في ظل الضغط الهائل الذي يمارسه الغرب على إيران و”حزب الله”، وفي ظل تكاثر الاستحقاقات الخطيرة بالنسبة لمحور الممانعة في المنطقة، من الحصار المالي والعقوبات الأميركية والالتحاق الأوروبي بمنظومة إدراج “حزب الله” على لائحة المنظمات الإرهابية، مروراً بالضغوطات في الساحة العراقية مع تشكيل مصطفى الكاظمي لحكومته والضربات المتتالية لإيران في الساحة السورية، وصولاً إلى الاستعداد لتطبيق “قانون قيصر” اعتباراً من مطلع حزيران 2020 وليس انتهاءً بصدور الحكم النهائي عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري!
أيا يكن هدف كلام الشيخ قبلان، فإن هذا الكلام خطير للغاية ويشكل تهديداً حقيقياً لأسس الكيان اللبناني. ولعل أسوأ ما فيه أنه يستند إلى قوة السلاح خارج الشرعية الذي يُثبت مرة جديدة أن استمراره بات يشكل خطراً على الكيان والصيغة، وأن لا مستقبل للبنان خارج إطار حلّ أزمة هذا السلاح…
ربما كان على الشيخ قبلان أن يتذكر جيداً ما قاله بطريرك الاستقلال الثاني الراحل مار نصرالله بطرس صفير في العام 1994 حين ذكّر من يعنيهم الأمر أن “التاريخ يشهد أنه إذا خُيّرنا بين الحرية والعيش المشترك فإننا سنختار الحرية من دون تردد”… فهل من يتّعظ؟!