كلامٌ كثير قيل في الايام القليلة الماضية عن تجاوز الاعتبارات الطائفية والذهاب نحو الدولة المدنية، أتى أبرزه على لسان رئيس مجلس النواب نبيه بري والمفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في كلمة “لافتة وأكثر” من حيث المضمون، ألقاها في مناسبة حلول عيد الفطر أمس.
الا ان كل هذه المواقف، بحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”، تبدو تُطلق من باب المزايدة او الحرتقة السياسية أو لأغراض فئوية ضيقة… لماذا؟ لأن الاطراف التي رمتها في سوق التداول ليست من حيث التجربة والاداء، مؤهلة لطرحها.. فبحسب المصادر، هذه القوى كانت في السلطة منذ لحظة ولادة الطائف وما قبل، وبدل ان تنكب على تنفيذ ما جاء فيه لناحية الغاء الطائفية السياسية واقامة مجلس للشيوخ وتنفيذ اللا مركزية الادارية (…) حرّفته ولم تخط خطوة واحدة على طريق تحقيق هذه المشاريع.و هي لم تكتف بهذا الانكفاء، بل غرقت في ممارسات مذهبية وطائفية سيما من حيث التوظيف في ملاك الدولة وفي المؤسسات التي لها اليد الطولى فيها، بحيث تحوّلت “معسكرات” من لون واحد طائفي ومذهبي وسياسي. حتى ان المناطق التي لهذه القوى فيها نفوذ قوي، يتم التصدي فيها للرأي الآخر، وهذا ما شهدناه منذ ايام قليلة في النبطية، في ظاهرة خرجت الى الضوء فاقعة نافرة، في الانتخابات الاخيرة وبعد اندلاع ثورة 17 تشرين.
هي مفارقة لافتة، ان ينادي رجل دين بالغاء الطائفية، تتابع المصادر. وهذا أمر جيد ومطلوب، الا انه ليكتمل، كان يجب ان يضيف اليه المفتي قبلان، ضرورة وضع كل السلاح المنتشر عشوائيا في يد أطراف معينة، في عهدة الجيش اللبناني وتحت إمرة الدولة وأجهزتها الشرعية فقط لا غير.
أما الغاء الطائفية مع ترك فريق محدد، اي حزب الله، مدججا بالسلاح وفارضا سيطرته على مناطق جغرافية واسعة تحولت دويلات عصيّة على الدولة، من الضاحية الى الجنوب الى البقاع، فسيعطي الحزب، تفوّقا عسكريا على الساحة المحلية، سيترجمه، بطبيعة الحال، في السياسة.
وفيما تسأل المصادر عن موقف حزب الله من طرح الغاء الطائفية، وهو حزب ديني عقائدي حتى العظم، تلفت الى ان وضع أسس لبنان الغد، لن يكون الا ببسط الدولة سيادتها الحقيقية على مساحة أراضيها كاملة من دون خطوط حمر ترسمها لها قوى الامر الواقع “كلّما دق الكوز بالجرة”، مع ذهاب نحو العلمانية الشاملة وليس فقط الدولة المدنية، والفصل النهائي بين الدين والدولة… هذا اذا كان فعلا المطلوب العبور بلبنان نحو مستقبل مُشرق معاصر…
وفي الانتظار، لا بأس من المباشرة بتطبيق اتفاق الطائف، قبل اعتباره انتهى، مع تعزيز مقولة “لا شرق ولا غرب” التي اتفق عليها الرئيسان بشارة الخوري ورياض الصلح. فنعيها لا يدل الا الى رغبة بابقاء لبنان ساحة لتصفية الحسابات الخارجية لصالح هذا المحور او ذاك، كما هو الحال اليوم بسبب ارتباطات بعض القوى المحلية بجهات اقليمية.