تثير المواقف الأخيرة للتيار الوطني الحر ضد حزب الله تساؤلات عدة على الساحة السياسية اللبنانية حول عما إذا كان التيار وزعيمه جبران باسيل بصدد فك الارتباط مع الحزب الموالي لإيران وإعادة التموضع سياسيا أم أن ما يحصل لا يتجاوز كونه محاولة ابتزاز و”قرصة أذن”.
ولاقت مواقف التيار صدى إيجابيا لدى الخط المناوئ لحزب الله، وإن حرص الجميع على عدم الإغراق في التفاؤل معتبرين أنه من المبكر جدا الجزم بطبيعة ما يحدث بين الجانبين، خاصة وأن زعيم التيار باسيل لا يزال يراهن على العلاقة مع الحزب لتكريس نفوذه وتعبيد الطريق إلى قصر بعبدا.
ويرتبط التيار الوطني الحر وحزب الله بورقة تفاهم منذ العام 2006، تستند على معادلة توفير غطاء مسيحي للحزب في وجه الضغوط الدولية في مقابل تمكين التيار البرتقالي من السلطة، وهو ما توج في العام 2017 بوصول الزعيم الروحي للتيار ميشال عون إلى سدة رئاسة الجمهورية.
ويعد التيار الوطني وحزب الله اليوم الظهير السياسي لحكومة حسان دياب، ولكن ذلك لم يمنع من ظهور تباينات في مواقف كلا الجانبين وباقي الحلفاء في ظل محاولات كل طرف استثمار الوضع لصالحه لتكريس تموقعه السياسي، وهو ما أثر بشكل واضح على عمل الحكومة التي تنازع من أجل فرملة الانهيار المالي والاقتصادي الذي يواجهه لبنان.
وقال عضو تكتل الجمهورية القوية النائب جورج عقيص “ما سمعناه من كلام من قبل التيار الوطني الحر حول حزب الله يريحني ويذكرني بعودة الابن الضال لأنه يتبنى مواقفنا”، مشيرا إلى أن “علاقة الوطني الحر بحزب الله هي على قاعدة أغطي سلاحك فتعطيني السلطة، ورسالة التيار لحزب الله هي أنه إذا توقف حزب الله عن إعطاء السلطة للتيار فسيتوقف عن دعم سلاحه”.
واعتبر القيادي في حزب القوات اللبنانية أنه “من المبكر الحديث عن إعادة تموضع في موقف الوطني الحر من حزب الله”.
وبرز التوتر بين حزب الله والتيار الوطني الحر في وقت سابق من هذا الشهر حينما طرح جبران باسيل خيار “اللامركزية المالية”، والذي عزاه البعض إلى وجود ضغوط من متمولين مسيحيين ضاقوا ذرعا من إغراق حزب الله الأسواق اللبنانية ببضائع يتم تهريبها عن طريق المعابر غير الشرعية مع سوريا، وأيضا عبر المرافئ والمطار، ما ضرب تجارتهم.
وكان باسيل قد تطرق في معرض حديثه عن اللامركزية المالية إلى خطر المعابر غير الشرعية التي يديرها حزب الله مطالبا بضرورة اتخاذ قرار سياسي وأمني لإغلاقها وحماية الصناعة والاقتصاد اللبناني.
ويقول سياسيون لبنانيون إن موقف باسيل من المعابر وطرحه للامكزية يتجاوزان مسألة ضغوط المتمولين إلى نية التيار لتغيير النظام السياسي وهذا المشروع ليس حديثا فسبق وأن هاجم التيار الوطني الحر وزعيمه الروحي عون اتفاق الطائف الذي جرى التوقيع عليه في بداية تسعينات القرن الماضي لإنهاء الحرب الأهلية (1975 – 1990).
ويرنو التيار، وفق هؤلاء، إلى نظام فيدرالي يخول له هو الآخر تشكيل دويلة على شاكلة حزب الله، وهذا الأمر مدعاة رفض جميع القوى السياسية وحتى المسيحية منها التي وإن تدعو إلى تطوير دستور البلاد بيد أنها ترفض الذهاب في خيار الفدرلة.
تصريحات باسيل جرت معها سلسلة تصريحات لأعضاء من المكتب السياسي للتيار بدت أكثر إيلاما للحزب، لعل أبرزها ما جاء على لسان زياد أسود حينما قال “لا يمكن أن يتم الجمع بين الفساد والمقاومة، ولا يمكن أيضا أن يستمر حمل السلاح والشعب اللبناني يعاني من الجوع”.
واعتبر أسود في تصريحات لقناة “أو.تي.في” التابعة للتيار الوطني الحر “أنّ ثمن وجود سلاح حزب الله يدفعه كل اللبنانيين وبالتالي الحزب لا يمكنه الصمود بمفرده إذا لم يكن هناك تضامن وطني حوله، ولن يصمد لو بقي تحت مئة طابق بالضاحية الجنوبية”.
تصريحات أسود حملت تحذيرا واضحا للحزب بأن التيار قد يرفع عنه وعن سلاحه الغطاء، ويذهب مراقبون إلى اعتبار أن موقف التيار المستجد يندرج في سياق المزيد من الضغط على حزب الله الذي ينتظر أن يواجه المزيد من الضغوط الأميركية في الفترة المقبلة بالتزامن مع بدء واشنطن تفعيل قانون قيصر ضد حليفه النظام السوري.
يعد التيار الوطني وحزب الله اليوم الظهير السياسي لحكومة حسان دياب، ولكن ذلك لم يمنع من ظهور تباينات في مواقف كلا الجانبين وباقي الحلفاء
ويشير المراقبون إلى أن التيار لا يزال بعيدا عن اتخاذ قرار برسم مسافة من الحزب أو فك الارتباط معه، ذلك أن طموحاته مقرون تنفيذها أساسا بهذه العلاقة، وأن باسيل الحانق على حزب الله لعدم مجاراته في أكثر من ملف ومسايرته لحلفاء الأعداء على غرار المردة وحركة أمل يسعى لتذكير الحزب بدينه.
وأكدت نائبة رئيس “التيار الوطني الحر” للشؤون السياسية مي خريش الأحد أن “العلاقة بين التيار وحزب الله ليست متوتّرة، وأيّ موقف يصدر عن نائب أو مسؤول لا يوضع في خانة التوتّر بل في خانة العتب”.
وقالت “لا التيار الوطني الحر يأخذ الأوامر من الحزب ولا العكس ونحن اليوم في أزمة لم يشهدها لبنان أبدا والتيار هو الوحيد الذي يرفع راية محاربة الفساد”، مشيرة إلى أن
“حزب الله لم يلاقنا في منتصف الطريق بتقديم الملفّات التي تواجه هذا الفساد”. وأضافت خريش “نشدّد مع حزب الله على إبعاد المسايرة عن المحاسبة”.