كتبت فيفيان حداد في صحيفة “الشرق الأوسط”:
من يتابع الممثلة رلى حمادة في مسلسل «بردانة أنا»، ضمن الدراما الرمضانية المعروضة على شاشة «إم تي في» المحلية اللبنانية، لا بدّ أن يلفته السهل الممتنع في أدائها. فشخصية الأم (سميرة) التي خسرت ابنتها حنين الشقيقة التوأم لدانيا (كارين رزق الله)، جراء تعرضها للعنف الجسدي من قبل زوجها باسم (بديع أبو شقرا)، تقدمها حمادة برقي المحترفين الذين ينوعون بأدائهم، كمن يتنقل بين نقاط المياه دون أن يصاب بالبلل. عرفت حمادة كيف تتقمص شخصية أم تشعر بالذنب من ناحية، وتحاول جاهدة الإمساك بزمام الأمور والحفاظ على سلامة باقي أفراد عائلتها، من ناحية ثانية.
بساطة في التمثيل تلامس قلب المشاهد عن قرب، وإطلالة أنيقة بعيداً عن أي عنصر من عناصر البهرجة، تشغل وسائل التّواصل الاجتماعي تاركة انطباعات إيجابية كثيرة، ترجمت بتعليقات تشيد بقالبها كممثلة.
تعلّق حمادة في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أفرح عندما أسمع هذا النوع من التعليقات، فهي بمثابة وسام أعلّقه على صدري، لا سيما أنه نابع تلقائياً من الناس. فحلم الممثل هو إرضاء جمهوره، وعندما تتم مكافأته على هذا النحو يشعر بأنه ارتوى بمحبتهم. فهو يكافح طيلة مشواره ليفوز بهذه النتيجة». وتتابع حمادة: «التمثيل يلزمه دقة وإحساس في الأداء. وعندما يصرخ الممثل مثلاً في مشهد لا يتطلب منه القيام بذلك، يكون كمن يحمي نفسه من عمل لا يجيده. وعندما يحترف أداءً بسيطاً أمام الكاميرا، فيصبح التلفزيون بمثابة خشبة مسرح، لا عناصر مبهرة وبرّاقة يمكنها أن تؤثر على نجاحه، ويكون قد فاز بالتّحدي مع نفسه».
وعن طبيعة ردّ فعلها عندما أدرج عرض مسلسل «بردانة أنا»، بالصدفة، ضمن شبكة برامج رمضان، تقول: «مصائب قوم عند قوم فوائد. إذ اضطر أصحاب التلفزيونات للجوء إلى أعمال جاهزة، بعد توقف قسري لتصوير مسلسلات، كان من المقرر عرضها في الشهر الفضيل، وذلك بسبب جائحة (كورونا). واللافت أنّه يحقق نسبة مشاهدة عالية، بعد (التركية) طبعاً». وهل يزعجك أن تتفوق هذه الأخيرة، بنسب مشاهدتها على اللبنانية؟ ترد: «طبعاً أنزعج وأحزن، ويستفزني متابعة اللبنانيين بنسبة كبيرة للأعمال التركية. فتذهب كل جهود الدراما المحلية سدى، وهو أمر لا أستسيغه أبداً. ولا أعرف الأسباب الحقيقية التي تقف وراء ذلك. فما ينقصنا هو عملية تسويق جيدة، عندها تصبح الدراما المحلية مصدر ربح وكل شيء يتغيّر».
تجد حمادة نفسها بين مناصرات الجمعيات التي تهتم بالحد من مشكلة العنف الأسري في لبنان. وهو ما أسهم، كما تقول، في تزويدها بخلفية غنية عن هذا النوع من الحوادث في لبنان. «أتابع عن قرب مسيرة جمعية (كفى) في هذا الإطار، وأشارك في التّظاهرات التي تدعو من خلالها المجتمع المدني، كما الدولة اللبنانية، لإيجاد حلول لمشكلة العنف الأسري. ولدي نقطة ضعف تجاه مشكلة مفقودي الحرب في لبنان الذين لا يحرك أحد ساكناً لمعرفة مصيرهم الحقيقي. ولاطلاعي عن كثب على هذا النوع من الحالات، اخترت هذا الدور شخصياً لأقوم به، لأنّه يحمل رسالة توعوية أعمل من أجل نشرها. كما أنّ الدور يطبعه في كثير من الأحيان الصّمت، وهو ما يزيده صعوبة في ترجمة حالات كثيرة تمرّ بها شخصية سميرة في العمل. ولذلك يصبح التمثيل يشمل عناصر أخرى كثيرة كحركة اليدين ولغة الجسد أثناء وحدتها، وخلال تحدثها مع سمك (الأكواريوم) في بيتها، كما يعتمد الأداء على عدم المبالغة». وعما يمكن أن يكون رد فعلها في حال تعرّضت إلى موقف مشابه للأم سميرة تقول: «لا يمكنني أن أطلق النظريات، لأن الواقع هو غير الافتراضي. لقد علمتني الحياة أنّه من غير الممكن تخمين ردود فعلنا تجاه مواقف معينة، لا سيما تلك التي تترك بجروحها علينا وتعدّ مصيرية».
يلازم حمادة منذ فترة تجسيدها لدور الأم. فقد لعبته مؤخراً في أكثر من مسلسل درامي. وتعلّق: «صحيح أنّي أقدمه في كل مرة بشكل يختلف عن سابقه، ولكنّي في الحقيقة مللت من لعبه بعدما صرت محاصرة به منذ فترة. حتى لو لم أملّ فمن الضروري أن ينوع الممثل في أدواره، خصوصاً أنه عادة ما يتمتع بمساحة إبداعية كبيرة يبحث عن سبل لتفجيرها. ولكن في المقابل لا آسف على القيام بعمل أحبه وشغوفة به، فنعيش معه حالات افتراضية، لأنّ الواقع لا يحمل لنا الكثير».
وعما إذا كانت تشعر اليوم بالتّعب من التمثيل، تقول: «لا أبداً، لا أتعب من عمل أحبه، كما أن الممثل اللبناني بشكل عام سُرقت منه فترات ذهبية كثيرة بسبب أوضاع البلد. فهو يعد صاحب تاريخ ليس بالطويل، وهنا أتحدث عن الممثلين من جيلي. دفعنا أثماناً كبيرة من عمرنا ومهنتنا وحياتنا، بسبب فقداننا الاستقرار في بلادنا. ولو قدرت لنا كلبنانيين الهجرة لكنّا جميعاً اخترنا ذلك كما أعتقد، خصوصاً وأن كل ما يحصل حولنا، والخسارات التي نتكبدها لا دخل لنا فيها».
وعما إذا كانت قد تمنت لو عملت في غير التمثيل، تردّ: «ولا مرة، رغم أنّني أحمل شهادة الماجيستير في إدارة الأعمال. وعندي هوس بالتمثيل».
وتصف حمادة موسم رمضان الحالي بأنّه «من حواضر البيت» و«كورونا» تسببت له بذلك، إضافة إلى التّعثّر المالي الذي تعاني منه محطات التلفزيون المحلية. وعن الأعمال التي تابعتها في موسم رمضان تقول: «أتابع مسلسل (حارس القدس)، وهو عمل سوري يعرض مسيرة حياة المطران هيلاريون كابوتشي. فيطلعنا على شخصية عربية مهمة نجهل إنجازاتها في العالم العربي، لا سيما فيما يخص القدس، وهو من بطولة الممثل السوري رشيد عساف». وتابعت «(أولاد آدم) الذي لفتتني فيه جرأة قلم رامي كوسا، وتناوله طروحات لم يسبق لنا أن شاهدناها في أعمالنا الدرامية. كما أنّ بطل العمل مكسيم خليل يبهرنا بأداء محترف لدور مركب وصعب، تحت إدارة المخرج الليث حجو، الذي استطاع أن ينقل حياتنا كما هي على الشاشة، ومن دون أقنعة، معرجاً على تفاصيل صغيرة وأخرى كبيرة، ليضعها تحت مجهر كاميرته المبدعة. ومن الممثلين الذين لفتوني في هذا المسلسل أيضاً طلال الجردي. فهو يلعب دوره بإتقان رائع خارج عن المستوى الطبيعي، بالإضافة إلى ندى أبو فرحات وكارول عبود. وأنوي بعد رمضان مشاهدة العملين اللبنانيين (بالقلب) و(العودة)، فقد وصلتني أصداء إيجابية كثيرة عنهما».
تعطي حمادة رأيها بصراحة في المسلسلين «النحات» و«الساحر»، وتقول: «في الواقع لم أنجذب لهذين العملين، وكأنهما يفتقدان إلى شيء ما لم أستطع تحديده. وبالرغم من تضمنهما أسماء لامعة نفتخر بها، إلّا أنّ هناك نقصاً نلحظه في تركيبتهما، وهو ما أبعدني عن متابعتهما. يمكننا وضع اللوم على الظروف التي منعت استكمال تصويرهما بسبب الجائحة. ولكن ما يترك علامات استفهام كثيرة هو أن خيار الممثلين، وطريقة الإخراج، حصلتا قبل ذلك. كما أنّ اعتماد الصورة القاتمة وأسلوب أداء غير مفهوم، جعل المتلقي يشعر بهذا النقص، والأمر هنا يتعلق بعملية الإخراج. فنحن من الشعوب التي لا تتحمل فكّ الألغاز باستمرار في حبكة درامية، بل نفضل تلك السهلة التي لا تشعرنا بالملل. ونستسلم بسرعة أمام فزّورة بسيطة، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بدراما كاملة؟ وتشهد الأعمال الدرامية البوليسية اليوم، تطوراً، وهي مغايرة تماماً للقديمة. فليس من الخطأ أن نقدّمها على غيرها، شرط تمتُعها بالجودة المطلوبة».
وعن دورها في مسلسل «من الآخر»، تقول: «يتمحور حول شخصية أم تتمتع بطاقة إيجابية، وترى الأمور من منظار مغاير ممّا يخولها مساعدة الآخرين». وعن تأثير الجائحة على الممثلين في تأدية أدوارهم تقول: «لا أخفي أنّنا كنّا نشعر بالتّوتر عندما عدنا لاستكمال عملية التصوير. وكانت الشركة المنتجة (الصبّاح أخوان) تؤمن لنا كل عناصر الأمان والسلامة الصحية، وهي مشكورة على ذلك. ولكن اكتشفنا كممثلين أنّ كل مشهد نقوم به كان يتفوق على (كورونا). فنغوص وننسى كل ما يحيط بنا، ونذوب بإيقاع العمل كأنّنا نعيش في أوضاع طبيعية».