كتب المحلل السياسي الروسي ألكسندر نازاروف مقالاً عن لبنان أشار فيه الى أنّ الوضع العالمي الراهن في منطقة الشرق الأوسط يدفع نحو حافة حرب جديدة أصبحت احتمالات نشوبها كبيرة.
وجاء في المقال: في الولايات المتحدة الأمريكية، وعقب الكارثة الاقتصادية التي نجمت عن الحجر الصحي، تتدهور فرص الرئيس، دونالد ترامب، في الفوز بمرحلة رئاسية ثانية، حتى على الرغم من الفضائح التي تحيط بمنافسه، جو بايدن. لذلك تبدو “حرب صغيرة تجلب النصر”، إحدى الحيل الانتخابية التقليدية للرؤساء الأمريكيين، طريقة جذّابة لتحسين فرص الرئيس الحالي في الفوز بفترة رئاسية جديدة.
وعلى الرغم من التصعيد الواضح للتوترات مع الصين، إلا أنه من غير المحتمل أن تصبح الصين أو حتى إيران هدفا للعدوان، لكن حزب الله، العدو التقليدي، قد يكون مناسبا تماما لهذا الدور. بطبيعة الحال سوف تضعف إزالته إيران، والرئيس السوري، بشار الأسد، وروسيا في سوريا، أي أن المكاسب التي يمكن أن تحصدها الولايات المتحدة الأميركية وترامب شخصيا من هذه الخطوة متعددة ومهمة.
بإمكاننا ملاحظة وجود خطط تدمير حزب الله وخطورتها من خلال الموقف من المساعدات الاقتصادية الدولية للبنان. وعلى الرغم من أن أي قروض جديدة للبنان لن تحل مشكلاته، وإنما فقط ستؤجل الكارثة لبعض الوقت، ومن الواضح أن لبنان مقبل على دمار اقتصادي واحتمالات التضخم المفرط والتدهور الكارثي في مستويات المعيشة، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية، المسيطرة على صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية الأخرى، تتعمد دفع لبنان نحو الانهيار الاقتصادي إذا رفضت حكومة البلاد التحول إلى إدارة استعمارية تذعن لأوامر الولايات المتحدة الأمريكية.
ستكون العواقب المخططة لهذه الخطوة فوضى في الاقتصاد، ثم أعمال شغب بسبب الجوع والفقر، وربما استئناف للحرب الأهلية في لبنان، ما قد يشل حزب الله على أقل تقدير، ويضعف فعاليته في سوريا، وقدرته على مواجهة إسرائيل.
لقد كانت الولايات المتحدة حتى وقت قريب مقيّدة بعامل الخوف من زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ككل، وانتشار الحرب في الخليج وشبه الجزيرة العربية بأكملها. لكن الحرب في اليمن جارية بالفعل، في الوقت الذي تحولت فيه المملكة العربية السعودية من شريك اقتصادي، إلى منافس في مجال إنتاج النفط. علاوة على ذلك، أصبحت المواجهة مع الصين بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية مهمة جيوسياسية كبرى، بينما تلوح في الأفق عقوبات وحتى حصار تجاري محتمل. وإزاء هذه الخلفية، يصبح تفجير منطقة الشرق الأوسط، وقطع الصين عن مصادر الطاقة دون مواجهة عسكرية مباشرة معها، مخرجا ممتازا للولايات المتحدة.
بالنسبة لإسرائيل، فإن كل هذه العوامل السابقة، أي استعداد الولايات المتحدة الأميركية لقبول زعزعة استقرار الشرق الأوسط، هي فرصة تاريخية لتحقيق طموحاتها الجيوسياسية في فلسطين بضربة واحدة.
علاوة على ذلك، نرى الآن أن بعض المستحيلات قد أصبحت ممكنة. بل أجرؤ على القول بأن أقصى طموحات إسرائيل في لبنان قد تتضمن احتلال جزء كبير من أراضيها (المناطق الشيعية)، حال اندلاع الحرب، من أجل إنشاء منطقة عازلة، وطرق الحديد الساخن بحرق حزب الله. أعتقد أن إسرائيل تستوعب أنها، مع تطور تكنولوجيا الصواريخ، ستصبح أكثر عرضة للخطر مع مرور الوقت، ولن يزداد الأمر إلا سوءا. وقد أظهرت دقة الهجمات الصاروخية على البنية التحتية للنفط السعودي أن ثمن هذه الهشاشة الأمنية يمكن أن يكون فادحا وغير مقبول.
إن مؤشرات مخططات الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تتجه جميعا لدفع لبنان نحو الانهيار، لكن المهم هو مناقشة الحدود التي تستعد الدولتان للذهاب إليها. هل سيحاولان حل مشكلة حزب الله نهائيا؟ في رأيي أن مثل هذه المحاولة يمكن أن تكون منطقية.
ولكن، هل يمكن تحقيق ذلك؟
لست خبيرا عسكريا، ولن أقوم بمناقشة جدوى هزيمة حزب الله بالوسائل العسكرية، واحتلال جزء من الأراضي اللبنانية، ولكن يبدو لي أن الحرب الماضية قد أثبتت أن إسرائيل قد تواجه مشاكل في تحقيق ذلك. بل أجازف بالقول إن الانهيار الاقتصادي للبنان، علاوة على الحرب، يمكن أن يدفعا لبنان بشكل أسرع نحو يصبح دولة شيعية. فالشيعة هم أفقر فئات الشعب اللبناني، وعلى مدى العقود القليلة الماضية، كانت نسبة المسلمين، خاصة الشيعة، بين الشعب اللبناني تزداد على خلفية انخفاض نسبة المسيحيين، لأسباب من بينها الهجرة الجماعية. وأعتقد أن الصعوبات الاقتصادية ستصيب الجميع، وسوف يكون قبول الطبقات الأكثر ثراء أصعب في المجتمع. كذلك ستنخفض معدلات المواليد بين السنة والمسيحيين، وسوف تزداد معدلات الهجرة، أي أن اضطرابات لبنان سوف تسهم في تشييع لبنان من منظور استراتيجي.
علاوة على ذلك، فإن تفجير منطقة الشرق الأوسط، سوف يمكّن الولايات المتحدة الأمريكية من جرّ الصين إلى لعبة جيوسياسية على مستوى كانت الولايات المتحدة وروسيا فقط قادرة عليه في السابق، ودخول الصين إلى ساحة اللعب في الشرق الأوسط يمكن أن يغيّر كثيرا من مجريات الأمور.
بالطبع، لا تزال الولايات المتحدة الأميركية في ذروة قوتها العسكرية، لكنها تجاوزت ذروة قوتها الاقتصادية، وتتهاوى الآن بسرعة، لذلك يصبح توقيت “الحساب مع الصين” الآن هو التوقيت الأفضل بالنسبة للولايات المتحدة، على الرغم من كافة العواقب المدمرة له. ومع ذلك، ومن الناحية الاستراتيجية، فهذه الحرب خاسرة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، التي تعاني من ضعف داخلي، يجعلها عاجزة عن تحمل شدة أي مغامرات من هذا القبيل على الساحة الخارجية. فمع انفجار الشرق الأوسط، والحصول على مكاسب قصيرة الأجل، لا تفعل الولايات المتحدة الأمريكية سوى أنها تسرّع إيقاع تدحرجها من القمة.
يوضح التاريخ الكامل لـ “الديمقراطية الأمريكية” أن الدورات الانتخابية القصيرة، التي تمتد لأربع سنوات، غالبا ما تدفع السياسة الخارجية الأميركية إلى التضحية بالمصالح الاستراتيجية الأميركية على حساب المكاسب السياسية قصيرة الأجل لصالح حزب سياسي، أو حتى رئيس معين.
لذلك، أعتقد أن المكاسب السياسية قصيرة الأجل تنتصر الآن على الخسائر التي يمكن أن تسببها المصالح الاستراتيجية الأميركية. ومن المحتمل نشوب حرب كبرى في لبنان.