كلما تحدّث أحد أركان السلطة في الإعلام، فاقمت مواقفُه المأزقَ السياسي الحكومي، ووسّعت حجمَ التصدعات في جدران البيت الوزاري المهزوز أصلا. لم يعد أهل الحكم، وهم كلّهم من فريق 8 آّذار، صفا واحدا. تقاسمُهم وحدهم، بلا اي أطراف أخرى، “جبنةَ” الحكم، لم يحلّ عليه نعمةَ، بل أظهر ان رمي تهمة “تعطيل وعرقلة المشاريع الانمائية”، على الجهات المعارضة، لم يكن في محلّه، اذ تبيّن بوضوح ان “الاخوة” المفترضين ليسوا على الموجة عينها في مقاربة أي من الملفات الداخلية.
في هذا الظرف الحساس من تاريخ لبنان، يُفترض على حكومة “مواجهة التحديات” ان تكون قلبا واحدا لانقاذ البلاد، الا انها للاسف، وفق ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”، منقسمة على ذاتها، بعد ان تبيّن، إلا لرئيسها، ان سطوة عرابيها السياسيين، على قرارها، أقوى من “خبرية” المستقلين التكنوقراط. وعليه، لن تتمكن من انجاز اي تعيينات في المراكز المالية والادارية الشاغرة، قبل ان يتأمّن ضوء اخضر سياسي لذلك، بين التيار الوطني الحر وحركة امل وحزب الله والمردة والطاشناق. كما ان اقفال الحدود في شكل محكم لن يحصل قبل ان ترضى الضاحية عن الامر… اما الخطة الكهربائية المفترضة، فلن تقلع قبل ان يرضى عنها التيار الوطني الحر.
هذا العجز كلّه، يبدو سيستمر في قابل الايام، خاصة وان اشتباكات سياسية من النوع “غير العابر” تنمو على أطرافه. فرئيس الجمهورية ميشال عون رد امس خطة الكهرباء الى مجلس الوزراء طالبا اضافة معمل سلعاتا اليها، في خطوة من شأنها توتير العلاقة بين بعبدا والسراي بعد ان لجأ الاخير الى التصويت لاقرار الخطة ويرى في ردّها تحديا له. اما حزب الله والتيار الوطني الحر، فالاجواء بينهما ليست أفضل حالا، على خلفية معمل سلعاتا من جهة، ومسايرة الضاحية لبنشعي في مواضيع كثيرة تمس التيار البرتقالي من جهة ثانية، وتنشط لجان على تبريد الخلاف بينهما وفق ما كشف الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله امس.
وليكتمل المشهد، فإن لا تصوّر واضحا موحدا لدى الحكومة لكيفية معالجة الازمة الاقتصادية المالية الخانقة التي يمر بها لبنان. ففيما “يجود” دياب في الحديث عن المفاوضات مع صندوق النقد، نصرالله، راعي الحكومة الاول، لم يبد في كلمته امس، اي حماسة جدية لمصير هذه المحادثات، بل بدا يقول انها تحصل من باب رفع العتب “كي لا نقول اننا لم نجرّب”، الا انه لا يعوّل على أنها ستثمر نظرا لكون الصندوق أداة في يد الاميركيين الذين سيحاولون فرض شروط على لبنان، سيرفضها لتعارضها مع مصالح الحزب الاستراتيجية. وقد كرر في المقابل الاشارة الى ان الحل يكون بالتعاون الاقتصادي والانفتاح على دول محور الممانعة من سوريا الى العراق فإيران وصولا الى الصين.
بعد تعداد هذه العوامل كلّها، التي تؤكّد حجم العطب البنيوي والشكلي في هيكل الحكومة، وانعدامَ التصوّر المشترك وخريطة الطريق الواضحة لانتشال البلاد من المهوار الذي تتدحرج فيه – وهي المهمة الاولى والاساسية الملقاة على عاتقها – الى اين يتّجه لبنان واللبنانيون في الاسابيع المقبلة؟