كتب حسين زلغوط في صحيفة “اللواء”:
بالرغم من ضجيج الاجتماعات واللقاءات السياسية والإجراءات والخطوات التي تتخذ على غير صعيد، فإن أفق الحلول للأزمات المتنوعة على المستوى اللبناني ما يزال مقفلاً، وأن مجمل المعطيات المتوافرة تؤكد لا بل تجزم بأن عمر الأزمة المالية والاقتصادية طويل، وأن الوضع السياسي المبعثر بات أشبه بالرماد الذي تعصف فيه الرياح.
لا شك ان الخيارات ضاقت امام الحكومة للخروج من المأزق الراهن، وبات لزاماً على أصحاب القرار وضع خارطة طريق جامعة تنقل لبنان من واقع إلى واقع آخر، لأن ما شاهدناه في اليومين الماضيين لا يبعث على الارتياح، وهو أكّد بما لا يدعو إلى أي شك بأن الوضع اللبناني من مختلف جوانبه وصل إلى مرتبة عالية من التعقيد بات معها لبنان بحاجة إلى صدمة تقيه شر الوصول إلى مرحلة الانهيار الكامل، وهذه الصدمة لا يمكن ان تحصل الا من خلال مروحة واسعة من التفاهمات بين القوى السياسية لمعالجة مكامن المرض الذي بات يفتك بالجسم اللبناني، وهذا يوجب اسراع الخطى باتجاه إعادة احياء عملية الحوار وجلوس الأفرقاء وجهاً إلى وجه على الطاولة للبحث في تفاصيل الأمور الخلافية على بساط أحمدي.
قد يقول البعض ان من «جرب المجرب كان عقله مخرب» ولذلك فإن الحوار الذي لجأت إليه القوى السياسية عدّة مرات في مراحل سابقة لم يثمر إلى النتائج المرجوة، وبالتالي إذا كان هناك من بدّ للعودة إلى الحوار فهذا يتطلب إعادة النظر بآلية هذا الحوار ووضع خارطة طريق مسبقة للتفاهم حولها والتعاطي بشكل جدي في وضع الحلول للأزمات المطروحة.
في تقدير مصادر سياسية واسعة الاطلاع ان الحلول للأزمة في لبنان لم تعد متوافرة في الداخل، وأن هذا الحل شئنا أم أبينا بات معلقاً على حبل التسوية التي يعمل على انضاجها في المنطقة.
وفي رأي هذه المصادر انه لا يجوز ان نبقى مكتوفي الأيدي بانتظار ما سيأتي من خلف البحار، وأن على لبنان ان يبقى حاضراً على المستوى الدبلوماسي وغيره حتى لا يدفع ثمن التسوية إذا حصلت، أو الحرب إن وقعت.
وتؤكد المصادر ان التدخل الأميركي في مسار التفاوض بين لبنان وصندوق النقد الدولي لم يحصل بعد، وأن مثل هذا التدخل سيحصل حتماً عندما يرفع فريق الصندوق تقريره حول مفاوضات مع الحكومة اللبنانية لتحديد حجم المساعدات المطلوبة لإنقاذ لبنان على المستويين المالي والاقتصادي، فإما تأخذ واشنطن خيار وضع الفيتو على هذه المساعدات أو الموافقة عليها، وعلى الحكومة اللبنانية في المقابل ان لا تنتظر من الصندوق الدولي ما كانت تنتظره قبل أزمة فيروس «كورونا» التي أصبحت معها غالبية الدول لا سيما الدول المانحة تعيش أزمة كبرى على مستوى انخفاض حجم النمو، وهو ما يعني ان رقم الـ11 مليار دولار الذي كان موعوداً به لبنان من قبل «سيدر» لم يعد وارداً، فإذا حصل لبنان على خمسة مليارات دولار يكون بيته بالقلعة وقد حقق ما هو ليس بالحسبان، لأن مثل هكذا مبلغ وإن اعطي له بالتقسيط يضعه على طريق الخروج من الأزمة.
وتكشف المصادر السياسية بأن صندوق النقد الدولي ما زال غير موافق على كامل الخطة الاقتصادية التي أعلنت عن وضعها الحكومة اللبنانية رغم كل التوضيحات والتبريرات التي سمعها فريق الصندوق الموجود في لبنان والذي ربما ينهي هذا الأسبوع مفاوضاته، كما ان هذه المصادر تكشف بأن العقبة الرئيسية التي تعيق عملية المساعدات ليس فقط مآخذ الدول المانحة على لبنان لعدم التزامه بالاصلاحات التي طلبت منه، وعدم الأخذ بالنصائح التي اسديت له لوقف التدهور الاقتصادي والمالي، بل هناك طلب دولي صعب التحقيق يوضع كأساس لتقديم المساعدة وهو لجوء لبنان إلى تغيير تموضعه السياسي، وعداً عن ذلك كلّه فإن لا مصلحة لأي دولة في الوقت الراهن تقديم أي فلس للبنان، لا بل ان أي دولة لا يمكنها التصرف بإعطاء المال للبنان دون ان يكون هناك ضوء أخضر أميركي بذلك، وهذا الضوء يبدو حتى هذه اللحظة مستحيلاً قبل انقشاع الرؤيا حول الخارطة التي ترسم للشرق الأوسط.
وتحذر المصادر السياسية من ان لبنان سيكون الشهر المقبل امام مشهد جديد من الضغوطات الخارجية التي ستجعل أزماته أشدّ تعقيداً، وهذا الأمر ناجم عن البدء بتنفيذ واشنطن لقانون قيصر في حزيران ومن بنود هذا المشروع عدم التعاطي التجاري والاقتصادي والسياسي مع النظام السوري، وهذا الأمر لن يكون للبنان القدرة على تحمله وسيكون بذلك امام مواجهة جديدة مع المجتمع الدولي الذي سيتهمه بمخالفة القرارات الدولية وعدم احترامها.
من هنا فإن الساحة السياسية تشهد مشاورات ولقاءات البعض منها معلن والبعض الآخر بعيداً عن الأنظار لوضع آلية لكيفية التعاطي مع مثل هكذا قرار الذي لن يكون بالطبع لمصلحة لبنان الذي يتكل على المعابر السورية لتصريف انتاجه إلى الخارج.
وتؤكد المصادر السياسية ان الآمال معقودة الآن على إمكانية ان تقوم فرنسا بدور ما يجنب لبنان الوقوع في المحظور، حيث ان باريس هي الوحيدة اليوم التي تلعب دور صلة الوصل بين لبنان والولايات المتحدة، وبين إيران وواشنطن، وهي ما تزال تضع لبنان كأولوية في اهتماماتها، لكن مدى نجاح هذا الدور غير معروف بعد وهو رهن التطورات لبنانياً ودولياً.