كتب عماد مرمل في صحيفة “الجمهورية”:
يخوض الجيش منذ فترة تحدّي ضبط الحدود الشرقية والشمالية مع سوريا لمنع التهريب عبر المعابر غير الشرعية، بعدما ارتفع منسوبه في الآونة الأخيرة بالترافق مع هبوط حاد في مستوى المناعة الاقتصادية.
من المعروف انّ السيطرة الكاملة على الحدود المشتركة بين أي دولتين هو أمر ينطوي على كثير من الصعوبة والتعقيد، حتى بالنسبة إلى البلدان التي تملك قدرات كبيرة، فكيف اذا كان لبنان، الخائر القوى، هو الذي يواجه هذا الاختبار.
وما يزيد الموقف حساسية هو الأثر العميق الناتج عن الجغرافيا السياسية التي وضعت لبنان على تَماس مباشر مع البراكين الإقليمية المتفجرة. ولذا، فإنّ التعقيدات الحدودية في هذا الاتجاه او ذاك ليست تقنية فقط بل تحمل أبعاداً اكثر خطورة، ولعل مطالبة البعض بانتشار قوات الأمم المتحدة على الحدود اللبنانية – السورية ورفض «حزب الله» القاطع لذلك يعكسان دقة التوازنات في هذا المجال الحيوي.
وخلافاً لتقديرات البعض بأنّ الحدود بين لبنان وسوريا ليست طويلة وانّ ضبطها سَهل متى توافرت الجدية والارادة، كما يؤكد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في إطلالاته الاعلامية الأخيرة، تلفت مصادر المؤسسة العسكرية الى انّ الحدود الشرقية والشمالية مع سوريا تبلغ نحو 365 كلم تقريباً وسط طبيعة صعبة ومتداخلة، وتالياً فإنّ عملية التحكّم التام بهذه المسافة ليست بالبساطة التي يفترضها البعض، لا سيما قياساً على إمكانات لبنان في الوقت الحاضر.
وعليه، يوحي الجيش انّ هناك من يتعامل مع مسألة إقفال المعابر غير الشرعية بالمناظير او النظارات، بعيداً من الوقائع الحقيقية على الأرض والتي تتطلّب مقاربة مختلفة تأخذ في الحسبان انّ المبارزة مع الجغرافيا مهمة صعبة، وإنجازها لا يتم بكبسة زر وإنما عبر عمل تراكمي، والمهم ان لا تراجع الى الوراء والجيش مُصرّ على استكمال ما بدأه، وفق المصادر العسكرية.
َورداً على مقولة انه تجري مواجهة المرض بالمسكّنات، يحرص الجيش على التأكيد انّ ما ينفّذه على طول الحدود يتجاوز إطار العلاج بالاسبيرين الى معالجة أصل المشكلة تباعاً. وضمن هذا السياق، تشدد المصادر العسكرية على انّ عدداً لا بأس به من المعابر غير الشرعية جرى إقفاله، حتى الآن، بواسطة السواتر الترابية والعوائق، مشيرة إلى أنه من غير الوارد السماح بإعادة استخدام أي معبر يتم إغلاقه.
لكنّ الطبيعة تحاول في المقابل أن تفرض إيقاعها وهي لا تستسلم بسهولة، تِبعاً لما يمكن استنتاجه من كلام المصادر التي توضح انّ خصوصية الجغرافيا فعلت فعلها على الأرض، «حيث أنّ كل متر في المناطق الحدودية يكاد يكون معبراً قائماً في حد ذاته، والدروب الترابية التي تصل لبنان بسوريا موجودة بكثافة وكلّ منها يصلح لعبور المواد المهرّبة، ما يستوجب بذل جهود مُضنية لسد هذه الفجوات الحدودية».
َوبينما تشعر جهات سياسية بأنّ المسعى المبذول حالياً للامساك بالحدود غير مقنع ويفتقر إلى الجدية المطلوبة، واضعة إيّاه في سياق الهَمروجة الشكلية او الفورة الظرفية التي فرضها الضغط الاعلامي والسياسي وافتضاح حجم التهريب، تستغرب المصادر العسكرية هذه الاستنتاجات، لافتة إلى انّ الجيش لا يمزح، وإنما يتصرّف بكل الجدية الضرورية كما يتبيّن من حجم التوقيفات والمصادرات، «وهو أصلاً كان ينشط في ملاحقة المهرّبين عبر الحدود قبل صدور القرار الرسمي عن مجلس الدفاع الأعلى ومجلس الوزراء، وما حصل اخيراً انه عمد الى تفعيل إجراءاته الميدانية، من دوريّات ومطاردات الى جانب أعمال الرصد عبر أبراج المراقبة، وغيرها من الوسائل».
ومع ذلك، هناك من يعتبر انّ الامر الواقع السائد ضمن البيئة الحدودية يَتسبّب في تقييد الجيش باعتبارات سياسية وحسابات حزبية، ما يمنعه من الذهاب حتى النهاية في المواجهة مع ظاهرة التهريب المتفاقمة التي يحظى رموزها بالغطاء، وفق قناعة أصحاب هذا الرأي.
ينفي الجيش هذه النظرية، وتجزم مصادره بأنه يملك حرية التحرك الكاملة وفق ما تقتضيه مهمته وان لا حماية للمخالفين أيّاً كانوا، مشيرة الى انّ اي جهة حزبية لم تتدخل لإطلاق سراح احد من الموقوفين الذين يُصار إلى اعتقالهم او للإفراج عن المواد المهربة التي تتم مصادرتها، «علماً انّ الجيش ليس اساساً في وارد المهادنة ولا المسايرة وهو يطبّق المطلوب منه حتى أقصى الدرجات الممكنة، تحت سقف ما يستطيع توظيفه من العدة والعديد في هذه المهمة، من دون التأثير على واجباته في الاماكن الاخرى».
وتشير المصادر الى انّ الصرخة التي صدرت عن بعض المهربين والمستفيدين منهم هي أكبر دليل على أنّ الجيش يحقق نجاحات مؤلمة لهم في عملية ضبط الحدود وبسط السيطرة على معابرها غير الشرعية.
وتوضح المصادر العسكرية انّ الجيش سيواصل في الأيام المقبلة عمله على الجانب اللبناني من الحدود، بمعزل عن الدور الذي يمكن أن يؤديه الجيش السوري على الجانب الآخر منها، «ونحن مصممون على مواصلة تنفيذ تدابيرنا الحازمة، ولن يثنينا شيء عن ذلك».