Site icon IMLebanon

أول الإصلاح وقف نزف الكهرباء وتعيين مجلس الإدارة

كتب غسان بيضون في صحيفة “الجمهورية”:

بعد مضي أكثر من 16 عاماً على تعيين مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان الحالي، بداية العام 2002، لمدة 3 سنوات، واستمر بـ3 أعضاء من أصل 7 نصّ عليهم قانون إنشاء المؤسسة، حتى بعد 10 سنوات على خطة 2010 الشاملة لإصلاح قطاع الكهرباء، التي انبثق عنها القانون 181 /2011، واشترط تعيين مجلس إدارة جديد للمؤسسة خلال شهرين من صدوره. وعلى أساسها وافق مجلس الوزراء خلال العام 2012 على استئجار البواخر وعلى مشروع مقدّمي خدمات التوزيع لتحقيق وفورات مالية ووقف الهدر، إضافة إلى تحسين الخدمة ومعها الجباية والتحصيل، وبعد مماطلة استمرت لسنوات، نشر وزير الطاقة أخيراً إعلانه عن إطلاق مسار تعيين مجلس إدارة جديد للكهرباء.

للحكم على جدّية هذا الإعلان وجلاء خلفياته، لا بدّ من العودة إلى النصوص التي ترعى هذا التعيين وأصول تطبيقها، بدءاً من المادة العاشرة من قانون إنشاء مصلحة كهرباء لبنان، التي نصّت على أن يتألف مجلس ادارة مصلحة كهرباء لبنان من 7 اعضاء يكون احدهم رئيساً، يُعيّنون لمدة 3 سنوات قابلة التجديد، بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير الطاقة والمياه، الأمر الذي يدحض ادّعاء أكثر من وزير للطاقة حول شرعية استمرار مجلس الإدارة بثلاثة أعضاء فقط منه، مستندين في ذلك إلى المادة 5 من النظام العام للمؤسسات العامة التي تنصّ على أن يتألف مجلس الادارة من 3 الى 7 اعضاء، متجاهلين أنّ المقصود بالثلاثة أعضاء هو الحدّ الأدنى لمجلس إدارة مؤسسة، لا يحتاج حجم وطبيعة ونطاق نشاطها لأكثر من هذا العدد، ومتجاهلين أيضاً أنّ قانون إنشاء مؤسسة كهرباء لبنان الذي نصّ على أن يتألف مجلس إدارتها من 7 أعضاء، انسجاماً مع حجم المؤسسة وطبيعة نشاطها الاستثماري. وهذا العدد بالكاد يكفي لإدارة المؤسسة في هذه الحالة من العجز والتراجع التي وصلت إليها على مختلف المستويات.

بموجب المرسوم 7406 تاريخ 12/2/2002، تمّ إنهاء خدمة أعضاء مجلس الإدارة السابق وتعيين 3 أعضاء من بينهم العضوان الباقيان في المجلس الحالي. وبالتالي فإنّه كان على وزراء الطاقة المتعاقبين المباشرة في اتخاذ الإجراءات الآيلة إلى تعيين مجلس إدارة جديد، اعتباراً من العام 2005، وإنما نفهم أن تكون التطورات الاستثنائية الحاصلة على المستوى الحكومي وأحداث تموز 2006، … قد حالت دون ذلك، فاستمر مجلس الإدارة على حاله. غير أنّه ما لا يمكن تبريره هو استمرار الوضع على حاله بالرغم من صدور القانون 181 / 2011، واشتراطه تعيين مجلس إدارة لمؤسسة كهرباء لبنان، خلال مهلة اقصاها شهرين، واستمر وزراء الطاقة المتعاقبون منذ ذلك التاريخ بعدم الالتزام بهذه الفقرة.

أما إعلان الوزير الحالي بهذا الشأن، فقد حصر الترشيح بحَمَلة الشهادات الجامعية المعترف بها، مع خبرة لا تقل عن 10 سنوات في مجال الكهرباء او الميكانيك او المعلوماتية او الاقتصاد او العلوم المالية أو القانون او الادارة. وقد ترك للمرشحين الاطلاع على شروط التعيين المنصوص عليها في المادة 6 من النظام العام للمؤسسات العامة، الذي يشجّع تعيين أعضاء من بين الموظفين في الإدارات من الفئة الثالثة، دون اشتراط خبرة الـ10 سنوات.

وما يثير الشك هو تضمين الإعلان، شرط أن يكون المرشح قد «لعب دوراً بارزاً» على مستوى اتخاذ القرار في المجال الاداري او «الاستشاري» او القانوني، وذلك من خلال عمله في «مؤسسات خاصة نفذت مشاريع ذات طابع عام»، بحيث تكون شروط الوزير المعلن عنها قد تضمنت مخالفة للمادة 10 من قانون إنشاء مصلحة كهرباء لبنان، التي تحظّر تعيين أي شخص عضو في مجلس الإدارة، إذا كانت له مصلحة في مؤسسة خاصة يكون لموضوعها علاقة بأعمال متصلة بكهرباء لبنان. ويؤشر ذلك إلى نية ضمنية لإعطاء أفضلية لمستشاري الوزير ممن لعبوا «دوراً بارزاً»، وهو شرط غير موضوعي وغير قابل للقياس ويعود تقديره للوزير، ولا سيما أنّ منهم من تابع وتدخّل بشؤون المؤسسة اليومية وبتلزيماتها وقراراتها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، شؤون البواخر ومقدّمي خدمات التوزيع، فيما الأفضلية والفرصة يجب أن تُعطى، وفق المادة 6 المذكورة، للموظفين من الفئة الثالثة، ممن اختبروا مشكلات المؤسسة وصعوباتها الواقعية وأوضاعها، وليس لمن يمكن أن تكون نشأت بينهم وبين المتعهدين معرفة وعلاقة ورعاية مصالح.

وبعد التساؤل عمّن كلّف وزير الطاقة بتلقّي طلبات المرشحين للتعيين وبإجراء المقابلات معهم وتصفيتهم ليبقى منهم «مرشحوه» فقط، دون مراعاة آلية التعيين التي سبق أن أقرّ مجلس الوزراء اعتمادها خلال العام 2010، وما إذا كان هذا الوزير قد وجد الفرصة سانحة لنقل مستشاريه ممن كانوا يديرون المؤسسة من الوزارة ليتولّوا إدارتها من مجلس إدارتها!

إنّ في إعلان وزير الطاقة عن إطلاق مسار عملية التعيين من مكتبه ومن خلال لجنة يعيّنها، التفافاً ومناورة جديدة تصيب عصفورين بحجر واحد: الاستجابة بالشكل لتوصيات «سيدر»، وسحب الذريعة من يد المعارضة السياسية التي تطالب منذ العام 2012 بإجراء هذا التعيين، وفي الوقت نفسه استمرار سيطرة الوزير على إدارة المؤسسة وانتهاك استقلاليتها المكرّسة بالقانون. فعلى المعنيين الانتباه ومراعاة هذه الوقائع والمعطيات والملاحظات، لضمان الوصول إلى تعيين يضمن وصول الأكفأ، وأخذ فشل الإدارة الحالية للمؤسسة والنتائج الكارثية التي وصلت إليها بوجودهم، في الاعتبار، بعد إيلاء الشركات الخاصة معظم مهام المؤسسة وأنشطتها الاستثمارية، حيث اقتصر دور هذه الإدارة على توقيع حوالات الدفع، وكان الاهتمام مركّزاً على إرضاء الوزير وتوزيع المنافع المحدودة المتاحة للمؤسسة على أصحاب النفوذ. هذا فضلاً عمّا نُشر حول تحقيقات واتهامات بالتقصير والإهمال الوظيفي، وشبهات حول دور البعض في تسهيل عبور الفيول المغشوش إلى خزّانات المؤسسة وحرّاقات معاملها والبواخر.

إن كرة تعيين مجلس إدارة مؤسسة كهرباء هي اليوم في ملعب الحكومة، التي لها أن تحدّد توجّهاتها بالنسبة إلى استمرار الجمع بين رئاسة مجلس الإدارة ووظيفة المدير العام، أو إعادة الحال إلى ما كانت عليه سابقاً. هذا فضلاً عن اعتماد آلية التعيين التي أقرّ مجلس الوزراء اعتمادها في تعيين موظفي الفئة الأولى وأعضاء مجالس إدارة المؤسسات العامة ممن يتمّ اختيار رئيس مجلس الإدارة – المدير العام من بينهم، فتشترط النشر في 3 صحف محلية، بالإضافة إلى صحف أجنبيّة، على أن يتمّ إرسال الطلبات إلى مجلس الخدمة المدنيّة من دون أسماء، وتُعطى طلبات المتقدمين للوظيفة شيفرة رقمية تحفظ السرّية في مرحلة التأهيل، على أساس الشروط العلميّة والسِيَر الذاتيّة، وتُحصر المقابلات النهائية بالحاصلين على 65 من أصل 80 نقطة، وعلى أن تُجري المقابلة لجنةٌ مؤلّفة من رئيس مجلس الخدمة المدنية والوزير المختص ووزير شؤون التنمية الإدارية. وبناءً على المقابلة، يجري اختيار 3 مرشحين، تُحال أسماؤهم إلى مجلس الوزراء، فيصوّت عليها ويعيّن من يحصل على ثلثي الأصوات في الموقع المرشح له، بحيث لا يُترك لوزير الطاقة منفرداً التحكّم بتصفية المرشحين، من خلال لجنة داخلية يعيّنها هو من بين مستشاريه، واختصار اللائحة بمن يختارهم من بين مستشاريه.